في خضم تحركات دبلوماسية مكثفة، يزور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي العاصمة الفرنسية باريس يوم الاثنين، للقاء نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. تأتي هذه الزيارة في وقت حرج تواجه فيه أوكرانيا ضغوطاً عسكرية متزايدة على الجبهات الشرقية، وتحديات سياسية داخلية، بالتزامن مع بروز خطة سلام أمريكية يقودها الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أبدى تفاؤلاً بإمكانية إنهاء الصراع المستمر مع روسيا.
السياق العام والخلفية التاريخية للصراع
لم يبدأ النزاع الحالي في فبراير 2022، بل تعود جذوره إلى عام 2014 عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني، ودعمت حركات انفصالية في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، مما أشعل حرباً استمرت لثماني سنوات. شكل الغزو الروسي الشامل في 2022 تصعيداً خطيراً، محولاً الصراع إلى أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وبعد أكثر من عامين، تحولت الحرب إلى صراع استنزاف طويل، حيث تحقق القوات الروسية تقدماً بطيئاً في الشرق، بينما تواجه القوات الأوكرانية تحديات تتعلق بنقص الذخيرة والمعدات وتأخر المساعدات الغربية.
أهمية لقاء باريس وتأثيره المحتمل
يحمل لقاء زيلينسكي وماكرون في قصر الإليزيه أهمية استراتيجية كبرى. ففرنسا، باعتبارها قوة نووية وعضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي وركيزة أساسية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تلعب دوراً محورياً في تنسيق الدعم الأوروبي لكييف. وأكدت الرئاسة الفرنسية أن المباحثات ستركز على “شروط تحقيق سلام عادل ودائم”، بما يتماشى مع المبادئ التي تم التأكيد عليها في المحافل الدولية السابقة. على الصعيد الإقليمي، يهدف اللقاء إلى تعزيز الموقف الأوروبي الموحد، خاصة في ظل المخاوف من أن أي خطة سلام لا تضمن سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها قد تشجع على المزيد من العدوان في المستقبل، مما يهدد الأمن الأوروبي بأكمله.
خطة السلام الأمريكية ومواقف الأطراف
تجري هذه الجهود الدبلوماسية الأوروبية على خلفية خطة سلام أمريكية مثيرة للجدل، عُقدت بشأنها مباحثات “مثمرة” في فلوريدا بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين. الخطة الأولية، التي قيل إنها صيغت دون تشاور واسع مع الحلفاء الأوروبيين، تضمنت تنازلات كبيرة لروسيا، مما أثار انتقادات واسعة. ورغم تعديلها لاحقاً، لا تزال تفاصيلها غامضة. وقد زاد من تعقيد المشهد تصريحات دونالد ترامب المتفائلة، والتي أشار فيها إلى “مشاكل صغيرة صعبة” لدى أوكرانيا، في تلميح لقضايا الفساد الداخلية التي أدت مؤخراً إلى إقالة مسؤولين بارزين في كييف. ويتوجه مبعوث ترامب الخاص، ستيف ويتكوف، إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما يفتح قناة تفاوض موازية قد تؤثر على مسار الجهود الدبلوماسية الحالية. وفي هذا السياق، وصفت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، الأسبوع الحالي بأنه قد يكون “محورياً للدبلوماسية”، مما يعكس حالة الترقب الدولي لنتائج هذه التحركات المتزامنة على ضفتي الأطلسي.