في خطوة قد تعيد تشكيل جزء من العلاقات التجارية بين ضفتي الأطلسي، أعلنت واشنطن عن التوصل إلى اتفاق مع لندن يقضي بإلغاء الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على المنتجات الصيدلانية البريطانية. إلا أن هذا الإلغاء يأتي مشروطًا، حيث يتضمن الاتفاق التزامًا بريطانيًا بزيادة أسعار الأدوية في سوقها المحلي بنسبة تصل إلى 25%، في خطوة تهدف إلى معالجة ما تعتبره الولايات المتحدة تفاوتًا في أسعار الأدوية العالمية.
خلفية الاتفاق وسياق العلاقات التجارية
يأتي هذا الاتفاق في سياق مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في عام 2020. منذ ذلك الحين، سعت المملكة المتحدة جاهدة لإبرام اتفاقيات تجارية مستقلة، وتعتبر الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا ذا أولوية قصوى. لطالما كانت المحادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة شاملة بين البلدين معقدة وبطيئة، مما دفع الطرفين إلى التركيز على اتفاقيات قطاعية أصغر، كهذا الاتفاق المتعلق بالصناعات الدوائية. كما يأتي هذا التطور بعد سنوات من النزاعات التجارية، أبرزها نزاع إيرباص-بوينغ الذي شهد فرض رسوم جمركية متبادلة على سلع متنوعة، مما يوضح أن المفاوضات التجارية بين الحليفين التاريخيين ليست دائمًا سهلة.
أهمية الاتفاق وتأثيره المتوقع
من المنظور الأمريكي، يمثل الاتفاق محاولة لمعالجة قضية سياسية واقتصادية حساسة، وهي ارتفاع أسعار الأدوية في الولايات المتحدة. صرح ممثل البيت الأبيض للتجارة، جيميسون غرير، بأن الهدف هو ضمان “ألا يدفع المرضى الأمريكيون أسعارًا مرتفعة لأدويتهم من أجل دعم أنظمة الصحة في الدول المتقدمة الأخرى”. تعكس هذه التصريحات وجهة نظر أمريكية راسخة بأن أنظمة الرعاية الصحية الوطنية، مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في بريطانيا، تستخدم قوتها التفاوضية للحصول على أسعار منخفضة للأدوية، مما يجبر الشركات على تعويض ذلك من خلال رفع الأسعار في السوق الأمريكية غير المنظمة نسبيًا.
على الجانب البريطاني، يبدو الاتفاق سيفًا ذا حدين. فمن ناحية، سيستفيد عمالقة صناعة الأدوية في المملكة المتحدة، مثل “غلاكسو سميث كلاين” و”أسترازينيكا”، من إلغاء الرسوم الجمركية، مما يعزز قدرتهم التنافسية ويزيد من صادراتهم إلى السوق الأمريكية الضخمة. ولكن من ناحية أخرى، فإن شرط زيادة الأسعار محليًا بنسبة 25% سيشكل عبئًا هائلاً على ميزانية هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) وعلى المواطنين البريطانيين، ومن المرجح أن يثير جدلاً سياسيًا واسعًا. يأتي هذا في وقت يواجه فيه الاقتصاد البريطاني تحديات كبيرة، حيث تسعى وزيرة الخزانة راشيل ريفز إلى إيجاد حلول لسد العجز في المالية العامة من خلال إجراءات ضريبية جديدة.
التداعيات الدولية المحتملة
قد يمثل هذا الاتفاق سابقة مهمة في المفاوضات التجارية الدولية. فإذا نجحت الولايات المتحدة في ربط الوصول إلى أسواقها بسياسات التسعير المحلية للدول الأخرى في قطاع الأدوية، فقد تحاول تطبيق هذا النموذج في محادثاتها مع شركاء تجاريين آخرين مثل كندا ودول الاتحاد الأوروبي. هذا الأمر قد يؤدي إلى تغييرات هيكلية في كيفية تسعير الأدوية على مستوى العالم، مما يثير قلقًا بشأن إمكانية الوصول إلى الأدوية بأسعار معقولة في الدول التي تعتمد على أنظمة صحية وطنية.