في خطوة لافتة تعكس الديناميكيات الجديدة في العلاقات التجارية عبر الأطلسي، أعلنت واشنطن عن توصلها إلى اتفاق مع لندن يتم بموجبه إلغاء الرسوم الجمركية التي كانت مفروضة على المنتجات الصيدلانية البريطانية. ويأتي هذا الاتفاق في مقابل التزام بريطاني بزيادة أسعار فئة معينة من الأدوية المبتكرة ضمن نظامها الصحي الوطني، مما يمثل نقطة تحول في المفاوضات التجارية بين البلدين.
خلفية الاتفاق وسياقه التاريخي
يندرج هذا الاتفاق ضمن سياق أوسع من العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، خاصة في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). منذ ذلك الحين، يسعى البلدان إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة شاملة، لكن المفاوضات واجهت تحديات عدة، من بينها الخلافات حول معايير المنتجات الزراعية والوصول إلى الأسواق. ويُعد قطاع الأدوية أحد أبرز محاور النقاش، حيث طالما انتقدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ما تعتبره “تحميلًا غير عادل” لتكاليف البحث والتطوير على المستهلك الأمريكي، بحجة أن أنظمة الصحة الوطنية في دول أخرى، مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في بريطانيا، تستخدم قوتها التفاوضية للحصول على الأدوية بأسعار منخفضة.
تفاصيل الاتفاق وآلياته
وفقًا للبيان الصادر عن البيت الأبيض، يهدف الاتفاق إلى “ضمان ألا يدفع المرضى الأمريكيون أسعارًا مرتفعة لأدويتهم من أجل دعم أنظمة الصحة في الدول المتقدمة الأخرى”. وبموجب الشروط المعلنة، ستلتزم هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا بزيادة بنسبة 25% على أسعار شراء الأدوية الجديدة التي تُصنف على أنها “مبتكرة”. وفي المقابل، ألغت واشنطن الرسوم الجمركية التي فرضتها على الأدوية البريطانية منذ أكتوبر الماضي، وتعهدت بعدم فرض أي رسوم جديدة مستقبلًا على هذا القطاع الحيوي.
ولضمان فعالية الاتفاق، تعهدت لندن بعدم اللجوء إلى إجراءات تعويضية، مثل خفض أسعار منتجات صيدلانية أخرى لشركات الأدوية، وهو ما يضمن أن الزيادة في التكلفة ستكون حقيقية وملموسة.
الأهمية والتأثيرات المتوقعة
يحمل هذا الاتفاق دلالات مهمة على عدة مستويات. محليًا في بريطانيا، من المتوقع أن يثير نقاشًا واسعًا حول ميزانية هيئة الخدمات الصحية الوطنية وقدرتها على استيعاب هذه التكاليف الإضافية دون التأثير على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. أما في الولايات المتحدة، فيُعتبر الاتفاق انتصارًا سياسيًا للإدارة الحالية، حيث يجسد محاولاتها لمعالجة قضية ارتفاع أسعار الأدوية، التي تُعد من بين الأعلى عالميًا. وتشير الدراسات، مثل تلك التي أجرتها مؤسسة “راند”، إلى أن الأمريكيين يدفعون ما يقرب من ضعفين ونصف ضعف ما يدفعه المواطنون في دول أخرى مقابل الأدوية.
وعلى الصعيد الدولي، قد يشكل هذا الاتفاق نموذجًا تسعى واشنطن لتطبيقه مع دول أخرى لديها أنظمة صحية مماثلة، مما قد يؤدي إلى تغييرات هيكلية في آليات تسعير الأدوية عالميًا. ويرى محللون أن هذه الخطوة تعزز البيئة التنافسية للأدوية المبتكرة وتُحقق توازنًا طال انتظاره في التجارة العالمية للأدوية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين.