شهد سوق العمل الأمريكي تحولاً لافتاً ومثيراً للقلق مع صدور أحدث البيانات الاقتصادية، حيث أظهر تقرير مؤسسة “إيه. دي. بي” (ADP) للمعالجة الآلية للبيانات، انكماشاً مفاجئاً في وظائف القطاع الخاص، مما يعيد تشكيل التوقعات الاقتصادية للمرحلة المقبلة.
وكشف التقرير الذي نُشر اليوم، أن الشركات الأمريكية في القطاع الخاص استغنت عن عدد من الوظائف يفوق ما تم توظيفه، حيث انخفض إجمالي الوظائف بمقدار 32 ألف وظيفة خلال شهر نوفمبر الماضي. ويمثل هذا الرقم انتكاسة ملحوظة، إذ يعد التراجع الرابع خلال الأشهر الستة الماضية، مما يشير إلى أن مرونة التوظيف التي ميزت الاقتصاد الأمريكي في فترات سابقة بدأت في التلاشي تحت وطأة الضغوط الاقتصادية المستمرة.
أزمة الشركات الصغيرة والمتوسطة
تكمن الخطورة الحقيقية في تفاصيل التقرير، التي أظهرت تبايناً حاداً بين أداء الشركات الكبرى والصغيرة. فقد تحملت الشركات الصغيرة (التي تضم أقل من 50 موظفاً) العبء الأكبر من هذا التراجع، حيث شطبت نحو 120 ألف وظيفة في شهر واحد فقط. ويعد هذا الرقم هو الأسوأ لهذه الفئة من الشركات منذ مايو 2020، إبان ذروة جائحة كورونا.
في المقابل، نجحت الشركات الكبرى التي تضم أكثر من 50 عاملاً في إضافة وظائف جديدة، مما يعكس قدرتها الأكبر على تحمل تكاليف الاقتراض المرتفعة والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية مقارنة بالشركات الناشئة والصغيرة التي تعاني من ضيق الهوامش الربحية وصعوبة الوصول إلى التمويل في ظل بيئة أسعار الفائدة الحالية.
الأنظار تتجه نحو الاحتياطي الفيدرالي
يكتسب هذا التقرير أهمية استراتيجية قصوى كونه يسبق اجتماع لجنة السوق المفتوحة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) المقرر عقده الأسبوع المقبل. وتضع هذه البيانات صناع السياسة النقدية أمام تحدٍ صعب؛ فبينما كان الهدف هو تبريد سوق العمل للسيطرة على التضخم، فإن التدهور السريع والحاد قد يثير مخاوف من انزلاق الاقتصاد نحو الركود بدلاً من تحقيق “الهبوط الناعم”.
ويرى محللون اقتصاديون أن هذه الأرقام السلبية قد تدفع الفيدرالي إلى إعادة النظر في مسار أسعار الفائدة، حيث أن استمرار ضعف التوظيف، خاصة في قطاع الشركات الصغيرة الذي يعد عصب الاقتصاد الأمريكي، قد يعجل بقرارات خفض الفائدة لتجنب أضرار هيكلية طويلة الأمد في سوق العمل.