في خطوة تعكس الإجماع الدولي على محورية الدور الإنساني الذي تلعبه المنظمة، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة لصالح تمديد ولاية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لمدة ثلاثة أعوام إضافية، لتمتد بذلك ولايتها الحالية حتى 30 يونيو 2029م. ويأتي هذا القرار ليؤكد التزام المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه اللاجئين الفلسطينيين وضمان استمرار تدفق الخدمات الأساسية لهم لحين التوصل إلى حل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وفي تعليقه على هذا القرار المفصلي، رحب المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، بنتيجة التصويت، معتبراً إياها رسالة تضامن عالمية قوية. وقال لازاريني: "إن هذا التصويت يعكس التضامن العالمي الواسع مع اللاجئين الفلسطينيين، والإقرار بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات الإنسانية والتنموية للاجئي فلسطين ريثما يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمعاناتهم المستمرة منذ عقود". وشدد المفوض العام على ضرورة أن لا يبقى هذا الدعم سياسياً فحسب، بل يجب أن يُترجم فوراً إلى التزام مالي حقيقي وتوفير الموارد اللازمة لضمان الوفاء بهذه الولاية، خاصة في ظل العجز المالي المزمن الذي تعاني منه الوكالة.
سياق تاريخي ودور محوري
تأسست وكالة الأونروا بموجب القرار رقم 302 (رابعاً) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر 1949، بهدف تقديم برامج الإغاثة والتشغيل المباشرة للاجئي فلسطين. ومنذ ذلك الحين، تعد الوكالة شريان الحياة لملايين اللاجئين المقيمين في مناطق عملياتها الخمس: الأردن، ولبنان، وسوريا، والضفة الغربية، وقطاع غزة. وتوفر الوكالة خدمات حيوية تشمل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية، والبنية التحتية للمخيمات، مما يجعلها عامل استقرار رئيسي في منطقة تشهد اضطرابات مستمرة.
تحديات غير مسبوقة ومخاطر الحظر
يكتسب قرار التمديد أهمية استثنائية في هذا التوقيت بالذات، حيث يأتي بالتزامن مع هجمة غير مسبوقة تواجهها الوكالة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. فقد أقر الكنيست الإسرائيلي مؤخراً تشريعات تهدف إلى حظر أنشطة الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة وعرقلة عملها، وهو ما أثار موجة استنكار عالمية واسعة. وتحذر المنظمات الحقوقية والدولية من أن تنفيذ هذا الحظر سيؤدي إلى انهيار المنظومة الإنسانية في قطاع غزة الذي يعاني من ويلات الحرب، وسيحرم ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية من حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة.
تداعيات إقليمية ودولية
ويرى مراقبون أن تمديد الولاية يمثل صفعة سياسية لمحاولات نزع الشرعية عن الوكالة أو تفكيك قضية اللاجئين قبل الحل النهائي. وتتجاوز أهمية الأونروا البعد الإنساني لتشكل ركيزة للأمن والاستقرار الإقليمي؛ إذ أن غياب خدماتها قد يؤدي إلى فراغ خطير وتداعيات أمنية وسياسية واجتماعية لا يمكن التنبؤ بها في الدول المضيفة للاجئين. ويضع هذا القرار الكرة في ملعب الدول المانحة لزيادة مساهماتها المالية لضمان عدم توقف عمليات الوكالة، خاصة في ظل التحذيرات من مجاعة حقيقية تتهدد شمال قطاع غزة نتيجة عرقلة وصول المساعدات.
