أعاد الهجوم المسلح الذي أسفر عن إصابة عنصرين من الحرس الوطني في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم الأربعاء، تسليط الضوء مجدداً على الجدل السياسي والقانوني المحتدم حول قرار الرئيس دونالد ترامب بنشر آلاف الجنود في شوارع العاصمة. هذا الحادث لم يكن مجرد خرق أمني، بل نقطة تحول أثارت تساؤلات عميقة حول العلاقة بين السلطة الفيدرالية والسلطات المحلية.
السياق الزمني والسياسي للنشر العسكري
بدأت فصول هذه القصة في 11 أغسطس، عندما أصدر الرئيس ترامب أمراً بنشر قوات الحرس الوطني في واشنطن العاصمة، مبرراً ذلك بضرورة “الحد من الجريمة المتفشية” واستعادة النظام. وتاريخياً، يعتبر نشر القوات العسكرية داخل المدن الأمريكية مسألة حساسة للغاية، حيث يقتصر دور الحرس الوطني عادة على الاستجابة للكوارث الطبيعية أو الاضطرابات المدنية الكبرى بطلب من حكام الولايات. إلا أن وضع واشنطن كمنطقة فيدرالية يمنح الرئيس صلاحيات أوسع، وهو ما استغله ترامب لتجاوز رفض السلطات المحلية الديمقراطية.
ولم يقتصر هذا التوجه على العاصمة فحسب، بل امتد ليشمل مدناً أخرى يديرها الديمقراطيون مثل لوس أنجلوس وممفيس، مما عزز الاتهامات بأن التحركات تحمل طابعاً سياسياً يستهدف خصوم الرئيس، رغم نفي البيت الأبيض المتكرر وتأكيده على أن الهدف هو دعم إنفاذ القانون ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
طبيعة المهام: من الخدمات إلى حمل السلاح
يوجد حالياً أكثر من 2100 عنصر في العاصمة، وهو رقم مرشح للزيادة بمقدار 500 جندي إضافي بأمر من وزير الحرب بيت هيجسيث عقب حادثة إطلاق النار الأخيرة. وتتكون هذه القوات من خليط من الحرس الوطني وجنود تم استقدامهم من 7 ولايات ذات حكم جمهوري.
في البداية، كانت مهام هذه القوات تبدو مدنية أكثر منها عسكرية، حيث تركزت حول مراقبة “ناشونال مول”، وتأمين محطات المترو، وحتى المشاركة في جمع القمامة وإزالة رسوم الجرافيتي. ومع ذلك، تطور الوضع الميداني بشكل دراماتيكي؛ فبعد أن كانوا غير مسلحين، بدأ الجنود بحمل الأسلحة بعد أسابيع قليلة من نشرهم، مما حول وجودهم إلى قوة ردع عسكرية صريحة في قلب المدينة، وفقاً لما ذكرته قوة المهام المشتركة (JTF-DC).
المعركة القانونية ومستقبل التواجد العسكري
يواجه هذا الانتشار العسكري تحديات قانونية كبيرة تهدد استمراريته. ففي 20 نوفمبر، أصدرت قاضية فيدرالية حكماً يقضي بعدم قانونية عملية النشر، التي كان من المقرر أن تستمر حتى 28 فبراير 2026. واستندت القاضية في حكمها إلى أن الحكومة الفيدرالية تجاوزت صلاحياتها بنشر القوات لمهام إنفاذ القانون دون طلب رسمي من السلطات المدنية في المدينة، كما أن القانون لا يخولها استدعاء قوات من ولايات أخرى لهذا الغرض.
ورغم هذا الحكم، تم إيقاف التنفيذ مؤقتاً لمدة 21 يوماً لمنح إدارة ترامب فرصة للاستئناف، مما يعني أن الجنود سيبقون في مواقعهم في الوقت الراهن. ويشير المراقبون إلى أن نتيجة هذا الصراع القانوني سترسم ملامح جديدة لحدود السلطة الرئاسية في استخدام القوات العسكرية للأغراض الأمنية الداخلية مستقبلاً.