قلعة شعار بعسير: تاريخها وأهميتها في التراث السعودي

اكتشف قلعة شعار الأثرية في عسير، رمز العمارة الدفاعية الجبلية. تعرف على تاريخها ومشروع ترميمها ضمن جهود هيئة التراث لتعزيز السياحة الثقافية.
ديسمبر 1, 2025
10 mins read
قلعة شعار بعسير: تاريخها وأهميتها في التراث السعودي

قلعة شعار: إرث معماري يجسد تاريخ عسير العريق

تقف قلعة “شعار” التاريخية كشاهد صامت على قمة جبال السروات، لتكون واحدة من أبرز المعالم الأثرية في منطقة عسير، ورمزاً للعمارة الدفاعية التي ميّزت المرتفعات الجنوبية للمملكة العربية السعودية. لا تقتصر أهمية القلعة على كونها بناءً حجرياً قديماً، بل هي سجل حي يروي فصولاً من تاريخ المنطقة، ويعكس براعة الإنسان في التكيف مع بيئته الجبلية القاسية وتسخيرها لخدمة أهدافه الأمنية والاستراتيجية.

السياق التاريخي والجغرافي: حصن في قلب الجبال

تقع القلعة في منطقة “باحة شعار”، على بعد حوالي 33 كيلومتراً شمال مدينة أبها، في موقع استراتيجي تم اختياره بعناية فائقة على ارتفاع يتراوح بين 2400 و2800 متر فوق سطح البحر. هذا الارتفاع الشاهق منحها ميزة دفاعية فريدة، حيث تشرف من جهتها الغربية على وادي “تيه” العميق، بينما تحيط بها التلال والأودية من بقية الجهات. هذا التكوين الطبيعي جعل من القلعة نقطة مراقبة ورصد لا مثيل لها، تسيطر على مساحات شاسعة من الجبال والسهول المحيطة بها.

تاريخياً، كانت القلاع والحصون جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي في جنوب شبه الجزيرة العربية. وقد بُنيت قلعة شعار، كما يرجح الباحث الدكتور غيثان بن جريس، على مراحل بدأت في أواخر القرن الثالث عشر الهجري (القرن التاسع عشر الميلادي)، واستمرت أعمال تحصينها وتوسعتها حتى أوائل القرن الرابع عشر الهجري. تزامنت هذه الفترة مع تحولات سياسية هامة في المنطقة، مما يبرز دورها العسكري المحوري في تأمين الطرق التجارية والحيوية، وأهمها “عقبة شعار” (المعروفة قديماً باسم عقبة تيه)، التي كانت الشريان الرئيسي الرابط بين مناطق السراة وتهامة.

تصميم معماري فريد ومكونات القلعة

تتألف القلعة من مجموعة من المباني الحجرية المتينة التي تتناغم مع تضاريس الموقع. شُيدت جدرانها باستخدام الحجارة المحلية الصلبة، التي تم ربطها بمزيج من الطين الكلسي، مما منحها قوة استثنائية ساعدتها على الصمود في وجه الزمن وعوامل التعرية. يضم تصميمها أبراج مراقبة دائرية ومربعة، وساحات داخلية واسعة كانت تُستخدم على الأرجح للتدريب والتجمع، بالإضافة إلى غرف ومخازن ذات نوافذ ضيقة (مزاغل) مصممة لأغراض المراقبة والدفاع وإطلاق النار. يعكس هذا التصميم الهندسي فهماً عميقاً لفنون الحرب ومتطلبات التحصين في تلك الحقبة.

أهمية القلعة وتأثيرها: من الماضي إلى المستقبل

تكمن أهمية قلعة شعار في كونها أكثر من مجرد معلم أثري؛ فهي تمثل جزءاً من الهوية الثقافية لمنطقة عسير والمملكة ككل. على الصعيد المحلي، تعد القلعة مصدراً للفخر والاعتزاز بالتاريخ المحلي، ورافداً مهماً للسياحة الثقافية التي تشهد نمواً متزايداً في المنطقة. أما على الصعيد الوطني، فإن جهود ترميمها وتأهيلها تندرج ضمن رؤية المملكة 2030، التي تولي اهتماماً كبيراً بالحفاظ على التراث الوطني وإبرازه كأحد الأصول الاقتصادية والثقافية الهامة.

جهود الترميم: هيئة التراث تعيد الحياة إلى القلعة

إدراكاً لقيمتها التاريخية العظيمة، تتولى هيئة التراث حالياً تنفيذ مشروع طموح لترميم وتأهيل موقع قلعة شعار الأثري. لا يقتصر المشروع على إصلاح الأجزاء المتضررة فحسب، بل يشمل تأهيلاً شاملاً للموقع ليكون وجهة سياحية وثقافية جاذبة. تتضمن الأعمال ترميم الجدران والأبراج، وتأهيل الممرات والساحات، وتوفير بنية تحتية وخدمات للزوار، كل ذلك مع الالتزام بأعلى المعايير الدولية للحفاظ على أصالة الموقع وقيمته الأثرية. ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في تعزيز مكانة عسير على خريطة السياحة السعودية، وجذب المزيد من الزوار والباحثين المهتمين بالتاريخ والعمارة التقليدية.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

زيلينسكي وماكرون يبحثان السلام وخطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا
Previous Story

زيلينسكي وماكرون يبحثان السلام وخطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا

إس إم سي تؤسس صندوق الوادي العقاري المتوافق مع الشريعة
Next Story

إس إم سي تؤسس صندوق الوادي العقاري المتوافق مع الشريعة

Latest from الثقافة

أذهب إلىالأعلى