في خطوة استراتيجية تهدف إلى الارتقاء بجودة الأبحاث الطبية في المملكة العربية السعودية، اعتمدت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية رسمياً حزمة من المعايير الجديدة والمحدثة للإدراج في سجل "ممارس البحث الإكلينيكي". وتأتي هذه الخطوة التنظيمية لتعزيز حوكمة قطاع الأبحاث السريرية وضمان كفاءة الممارسين، حيث من المقرر أن تدخل هذه الضوابط حيز التنفيذ الفعلي اعتباراً من التاسع من سبتمبر لعام 2025م.
اشتراطات أكاديمية ومهنية دقيقة
تستهدف المعايير المحدثة تنظيم آلية القبول في السجل من خلال غربلة دقيقة للمتقدمين لضمان أعلى مستويات الجودة. وقد فرضت الهيئة شرطاً أساسياً يتعلق بالمؤهل العلمي، حيث يجب أن يكون المتقدم حاصلاً على مؤهل صحي معترف به لا يقل عن درجة البكالوريوس في التخصصات الصحية الأساسية. وتشمل هذه التخصصات الطب والجراحة، الصيدلة، التمريض، أو أي مجال صحي آخر ذي صلة مباشرة، مما يغلق الباب أمام غير المتخصصين في هذا المجال الحيوي.
ولم تكتفِ الهيئة بالمؤهل الأكاديمي فحسب، بل ربطت القبول في السجل بضرورة وجود تسجيل مهني ساري المفعول لدى الهيئة نفسها. هذا الربط يضمن أن يكون الباحث ممارسًا صحيًا معتمدًا ومصنفاً، مما يعزز من موثوقية الأبحاث التي سيشارك فيها. كما تضمنت الشروط بنداً أساسياً يتعلق بحسن السيرة والسلوك، باعتباره ركيزة أخلاقية لا غنى عنها في مجال البحوث الطبية الحساسة.
شهادة الممارسة السريرية الجيدة (GCP) والتدريب الإلزامي
في سياق مواءمة المعايير المحلية مع البروتوكولات العالمية، ألزمت الضوابط الجديدة المتقدمين بالحصول على شهادة الممارسة السريرية الجيدة (Good Clinical Practice – GCP). واشترطت الهيئة أن تكون هذه الشهادة سارية المفعول ولم يمضِ على تاريخ إصدارها أكثر من ثلاث سنوات عند تقديم الطلب، وذلك لضمان أن يكون الممارس مطلعاً على أحدث الأخلاقيات والأساليب العلمية العالمية في إدارة التجارب السريرية.
علاوة على ذلك، استحدثت المعايير متطلباً معرفياً جديداً يلزم المتقدمين بإكمال دورة تمهيدية إلكترونية تقدمها الهيئة. تركز هذه الدورة على التعريف بآليات السجل وتزويد الباحثين بالمعرفة الأساسية والضرورية حول اللوائح والأنظمة المنظمة للبحوث والتجارب السريرية داخل المملكة العربية السعودية، مما يضمن العمل تحت مظلة قانونية واضحة.
سياق رؤية 2030 وأهمية حوكمة الأبحاث
تكتسب هذه التعديلات أهمية خاصة عند النظر إليها في سياق رؤية المملكة 2030 وبرنامج تحول القطاع الصحي. فالمملكة تشهد طفرة غير مسبوقة في مجال الأبحاث السريرية، حيث أشارت تقارير سابقة لوزارة الصحة إلى ارتفاع نسبة الأبحاث السريرية في المملكة بنسبة تجاوزت 51% خلال عام واحد. هذا النمو المتسارع يتطلب بنية تشريعية وتنظيمية قوية تضمن سلامة المشاركين في الأبحاث ومصداقية البيانات الناتجة عنها.
إن تنظيم سجل ممارس البحث الإكلينيكي لا يهدف فقط إلى التنظيم الإداري، بل يسعى لجعل المملكة مركزاً إقليمياً ودولياً رائداً في مجال الأبحاث الطبية وتطوير الأدوية. فوجود كوادر مؤهلة ومعتمدة وفق معايير عالمية يعد عامل جذب رئيسي لشركات الأدوية العالمية والمراكز البحثية الكبرى لإجراء تجاربها السريرية داخل المملكة، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المعرفي والقطاع الصحي بشكل عام.
يُذكر أن تاريخ إصدار هذه الوثيقة التنظيمية كان في الرابع والعشرين من أكتوبر 2024م، ومن المقرر أن تخضع للمراجعة الدورية في عام 2026م لضمان مواكبتها للمستجدات العلمية والتنظيمية المتسارعة في هذا المجال.
