تأكيدات حكومية راسخة: مجانية الخدمات خط أحمر
في تصريح حاسم يهدف إلى تبديد المخاوف المجتمعية، أكد وزير المالية السعودي، الأستاذ محمد الجدعان، أن التوجه نحو خصخصة بعض القطاعات الحيوية لن يمس على الإطلاق بمجانية الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، وعلى رأسها الصحة والتعليم. وشدد الجدعان، خلال المؤتمر الصحفي الخاص بإعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2026، على أن الدولة ستواصل إنفاقها السخي على هذين القطاعين، حيث تم رصد مخصصات تفوق 460 مليار ريال، مما يعكس الأولوية المطلقة التي توليها القيادة الرشيدة لرأس المال البشري.
الخصخصة في إطار رؤية 2030: تحول استراتيجي لرفع الكفاءة
تأتي هذه الخطوات ضمن السياق الأوسع لـ”رؤية السعودية 2030″، التي تمثل خارطة طريق طموحة لتحويل الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط. ويعد برنامج الخصخصة أحد الركائز الأساسية في هذه الرؤية، حيث يهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية، ورفع كفاءة وجودة الخدمات العامة. الفلسفة الجديدة لا تعني تخلي الدولة عن مسؤولياتها، بل إعادة تعريف دورها؛ فبدلاً من أن تكون “المشغل” المباشر للمرافق، تتحول إلى دور “المنظم” و”المشتري” للخدمة، مما يضمن تطبيق أعلى معايير الجودة العالمية وتقديم أفضل تجربة للمستفيد النهائي وهو المواطن.
الأثر المتوقع: جودة أعلى واستدامة مالية
من المتوقع أن يكون لهذا التحول الاستراتيجي تأثيرات إيجابية متعددة على المستويين المحلي والدولي. محلياً، سيؤدي إشراك القطاع الخاص، بخبراته وتقنياته المتقدمة، إلى تحسين جودة الخدمات الصحية والتعليمية بشكل ملحوظ، وخلق بيئة تنافسية تصب في مصلحة المواطن. كما سيساهم في خلق فرص عمل جديدة ومتخصصة. أما على الصعيد الاقتصادي، فإن هذا التوجه يعزز من جاذبية المملكة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويخفف العبء التشغيلي عن الميزانية العامة للدولة، مما يساهم في تحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل.
نموذج غسيل الكلى: قصة نجاح ملهمة
لتوضيح الفكرة، استشهد الوزير الجدعان بالتجربة الناجحة لمراكز غسيل الكلى. فبعد أن كانت تدار مباشرة من قبل وزارة الصحة، تم تحويلها إلى نموذج يتم فيه شراء الخدمة من مشغلين متخصصين في القطاع الخاص، مع استمرار الدولة في تحمل كافة التكاليف. وأسفر هذا التحول عن ارتفاع كبير في مستوى الرعاية المقدمة للمرضى، وتوسيع نطاق الخدمة، مع تحقيق كفاءة أعلى في الإنفاق. وأكد الجدعان أن هذا النموذج سيتم تطبيقه على نطاق أوسع، مع التزام الدولة برصد الميزانيات اللازمة لضمان استمرارية تقديم الخدمات مجاناً للمواطنين.
مستقبل الخدمات العامة: شراكة من أجل الرفاهية
واختتم وزير المالية حديثه بالتفريق بين نوعين من التخصيص: الأول هو بيع أصول غير استراتيجية لا تقدم خدمة مباشرة للمواطن، والثاني، وهو الأهم، يتعلق بتخصيص الخدمات الأساسية الذي يستلزم التزاماً حكومياً مستمراً بالتمويل. وأكد أن ميزانية 2026 مصممة بعناية لتحقيق التوازن بين الطموحات الاقتصادية والالتزامات الاجتماعية، لضمان أن تكون جميع الإصلاحات دافعاً نحو تحسين جودة حياة المواطن ورفاهيته.
