في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة تأهيل النظم البيئية ومكافحة التصحر، كشف البرنامج الوطني للتشجير عن تحديد وتصنيف 39 نوعاً من النباتات المحلية التي تتلاءم مع الظروف البيئية والمناخية لمنطقة الحدود الشمالية. يأتي هذا الإعلان كجزء من الجهود الوطنية الطموحة لتنمية الغطاء النباتي، ودعم المستهدفات الكبرى لـ«مبادرة السعودية الخضراء»، وترسيخ أسس الاستدامة البيئية التي نصت عليها رؤية المملكة 2030.
السياق العام: رؤية وطنية لمستقبل أخضر
تندرج هذه المبادرة ضمن إطار أوسع تقوده المملكة لمواجهة التحديات البيئية العالمية، وعلى رأسها التغير المناخي وتدهور الأراضي. فمن خلال إطلاق “مبادرة السعودية الخضراء” في عام 2021، وضعت المملكة هدفاً طموحاً يتمثل في زراعة 10 مليارات شجرة داخل حدودها خلال العقود القادمة. لا يقتصر هذا المشروع على مجرد الزراعة، بل يرتكز على دراسات علمية دقيقة لاختيار الأنواع النباتية المناسبة لكل منطقة، لضمان نموها واستدامتها وقدرتها على التكيف مع البيئات المحلية، خاصة في المناطق ذات الظروف المناخية القاسية مثل منطقة الحدود الشمالية المعروفة بصيفها الحار وشتائها البارد وندرة أمطارها.
أهمية اختيار النباتات المحلية وتأثيرها المتوقع
أكد البرنامج أن الأنواع الـ 39 التي تم تحديدها تتميز بقدرتها الفائقة على التكيف مع التضاريس المتنوعة للمنطقة، من الهضاب والوديان إلى الجبال والسهول والصحاري الرملية. وقد تم تصنيف هذه الثروة النباتية إلى مجموعات حيوية متكاملة تشمل الأشجار والشجيرات الصغيرة والمعمرة، بالإضافة إلى الأعشاب الحولية والمعمرة، مما يضمن تكوين نظام بيئي متوازن وقادر على الصمود.
وتضم القائمة المعتمدة كنوزاً نباتية تشكل هوية المنطقة البيئية، مثل السدر البري، الطلح، الأرطى، السلم، والأثب. كما شملت أصنافاً ذات أهمية رعوية وبيئية مثل القطف، الروثة، الرغل، والرمث، ونباتات عطرية وطبية ذات قيمة اقتصادية وثقافية مثل الشيح، القيصوم، والخزامى. تنتمي هذه النباتات إلى فصائل عريقة تعكس الثراء الوراثي للمنطقة، كالفصيلة البقولية والسدرية والنجيلية.
على المستوى المحلي، يُتوقع أن تسهم هذه المشاريع في تثبيت التربة، والحد من العواصف الرملية والترابية، وتحسين جودة الهواء، وخفض درجات الحرارة، واستعادة التنوع البيولوجي من خلال توفير موائل طبيعية للطيور والحشرات والكائنات البرية. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن نجاح المملكة في إعادة تأهيل أراضيها الصحراوية يقدم نموذجاً رائداً يمكن للدول الأخرى ذات الظروف المماثلة الاستفادة منه، ويعزز من مكانة المملكة كلاعب فاعل في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
شراكات مجتمعية لضمان الاستدامة
إدراكاً منه بأن النجاح لا يكتمل إلا بمشاركة مجتمعية واسعة، يقود البرنامج الوطني للتشجير حراكاً شاملاً لترسيخ ثقافة التشجير وحماية البيئة. يتم ذلك عبر بناء شراكات فاعلة مع القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية، بهدف إشراك كافة فئات المجتمع في زراعة هذه الأنواع ورعايتها. وتركز الجهود الحالية على رفع مستوى الوعي بأهمية النباتات المحلية، وتفعيل دور العمل التطوعي كقيمة وطنية، لضمان استدامة هذه المشاريع البيئية وحمايتها من الممارسات الخاطئة، وتحويلها إلى إرث أخضر للأجيال القادمة.