في إنجاز جديد يضاف إلى سجل السينما السعودية المتنامي، حصد الفيلم الوثائقي “ضد السينما” لمؤلفه ومخرجه علي سعيد، جائزة لجنة التحكيم الخاصة (جائزة صلاح أبو سيف)، وذلك في عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة “آفاق السينما العربية” للأفلام الطويلة. جاء هذا التتويج في حفل ختام الدورة السادسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أحد أعرق المهرجانات السينمائية في المنطقة، والذي أقيم وسط حضور لافت لنخبة من أبرز نجوم وصُنّاع السينما من مختلف أنحاء العالم.
سياق تاريخي: السينما في مواجهة الغياب
يكتسب فيلم “ضد السينما” أهميته من الموضوع الذي يتناوله، فهو ليس مجرد فيلم وثائقي، بل هو رحلة بحثية استغرقت خمس سنوات لتوثيق حكاية نشأة وتطور السينما في المملكة العربية السعودية. يغوص الفيلم في ذاكرة جيل الثمانينات، الجيل الذي نشأ على حب الفن السابع في وقت كانت فيه صالات العرض السينمائية غائبة عن المشهد العام. فبعد فترة ازدهار نسبي في الستينات والسبعينات، شهدت السعودية إغلاق دور السينما في أوائل الثمانينات، لتدخل البلاد في فترة انقطاع عن العروض العامة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود. خلال تلك الفترة، كانت السينما حاضرة “ضد” الظروف، عبر أشرطة الفيديو والمشاهدات المنزلية التي شكلت الوعي السينمائي لأجيال بأكملها.
أهمية الجائزة وتأثيرها على المشهد السينمائي
يأتي فوز “ضد السينما” في مهرجان القاهرة السينمائي ليعكس النهضة الكبيرة التي تشهدها السينما السعودية حاليًا، والتي تُعد إحدى ثمار رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى تنويع الاقتصاد ودعم القطاعات الثقافية والإبداعية. هذا الفوز لا يمثل تكريمًا للمخرج علي سعيد وفريق عمله فحسب، بل هو اعتراف إقليمي بجودة وموهبة صانعي الأفلام السعوديين وقدرتهم على سرد قصصهم المحلية بأسلوب فني مؤثر يلامس الجمهور العربي. على الصعيد المحلي، تعزز هذه الجائزة الثقة في المواهب الشابة وتشجع على إنتاج المزيد من الأعمال التي تستلهم من التاريخ والتراث السعودي الغني. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن هذا التكريم يضع السينما السعودية على خريطة المهرجانات العالمية، ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون والإنتاج المشترك، ويساهم في تغيير الصورة النمطية عن المملكة، مبرزًا تحولاتها الثقافية والاجتماعية العميقة.
مستقبل واعد للسينما السعودية
أشار المخرج علي سعيد إلى أن هذه الجائزة تعكس نجاح مسار السينما السعودية، وهو مسار مدعوم بجهود مؤسسية مثل هيئة الأفلام ووزارة الثقافة. إن تكريم فيلم يوثق تاريخ السينما في المملكة هو بحد ذاته احتفاء بالماضي وتفاؤل بالمستقبل. فمن خلال استعادة شهادات الرواد الأوائل وتتبع محاولات الإنتاج الأولى، يقدم “ضد السينما” جسرًا بين الأجيال، ويربط الحاضر المزدهر بجذور الماضي، مؤكدًا أن شغف السينما لم يغب يومًا عن قلوب السعوديين، حتى في أوقات غياب الشاشة الكبيرة.