كشفت النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن البنك المركزي السعودي “ساما” عن ارتفاع ملحوظ في حجم النقد المتداول خارج المصارف في المملكة العربية السعودية، حيث وصل إلى 240.55 مليار ريال خلال شهر أكتوبر من العام 2023. ويمثل هذا الرقم زيادة سنوية بنسبة 6% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، والذي سجل فيه حجم النقد 226.9 مليار ريال، مما يعكس استمرار الحيوية في السيولة النقدية بالاقتصاد المحلي.
وعلى أساس شهري، أظهرت البيانات نمواً بنسبة 1.3%، مرتفعاً من 237.3 مليار ريال في شهر سبتمبر 2023. هذه الأرقام لا تقتصر على النقد الذي بحوزة الأفراد والشركات فقط، بل هي جزء من مؤشرات نقدية أوسع يراقبها “ساما” عن كثب لتقييم الوضع الاقتصادي العام.
تفاصيل المؤشرات النقدية
وفقاً لنشرة “ساما”، لم يقتصر الارتفاع على النقد خارج البنوك، بل شمل أيضاً حجم النقد الإجمالي لدى البنك المركزي، الذي بلغ 260.6 مليار ريال في أكتوبر 2023، مسجلاً نمواً سنوياً بنسبة 5.2%. في المقابل، شهد حجم النقد لدى المصارف التجارية انخفاضاً طفيفاً على أساس سنوي بنسبة 3.3% ليصل إلى 20.079 مليار ريال، كما انخفض شهرياً بنسبة 9.8%، وهو ما قد يشير إلى زيادة حركة سحب النقد من قبل العملاء لتلبية احتياجاتهم اليومية أو التجارية.
السياق الاقتصادي ورؤية 2030
يأتي هذا النمو في حجم النقد المتداول في وقت تشهد فيه المملكة تحولاً اقتصادياً جذرياً ضمن إطار رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تعزيز الشمول المالي وتقليل الاعتماد على النقد. وقد حققت المملكة نجاحات باهرة في هذا المجال، حيث ارتفعت نسبة المدفوعات غير النقدية بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية بفضل انتشار حلول الدفع الإلكتروني مثل “مدى” والمحافظ الرقمية وتطبيقات الدفع عبر الهواتف الذكية.
هذا التزامن بين نمو الاقتصاد الرقمي وزيادة حجم الكاش يطرح تساؤلاً مهماً حول الدوافع الكامنة وراء هذا التوجه. فبينما يتجه قطاع التجزئة والخدمات نحو الرقمنة، لا يزال النقد يحتفظ بأهميته في قطاعات أخرى، مثل المعاملات الصغيرة، والاقتصاد غير الرسمي، وكنمط سلوكي وثقافي لدى شريحة من المجتمع تفضل التعاملات النقدية المباشرة.
الأهمية والتأثيرات المتوقعة
إن ارتفاع حجم النقد المتداول خارج المصارف يعد مؤشراً اقتصادياً مهماً يحلله صناع السياسات النقدية بعناية. فعلى الصعيد المحلي، قد يعكس هذا النمو زيادة في النشاط الاقتصادي العام وقوة إنفاق المستهلكين. كما أنه يوفر للبنك المركزي بيانات حيوية لإدارة السيولة في النظام المالي وضمان استقراره، بالإضافة إلى دوره في مكافحة التضخم.
إقليمياً ودولياً، تعتبر هذه الأرقام مقياساً لصحة أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط. فالمستثمرون والمؤسسات المالية الدولية يراقبون هذه المؤشرات لتقييم مدى قوة الاقتصاد السعودي وقدرته على النمو. ويشير استمرار تداول كميات كبيرة من النقد إلى أن رحلة التحول نحو مجتمع غير نقدي بالكامل هي عملية تدريجية وتتطلب وقتاً لتغيير العادات المالية الراسخة، حتى في ظل التطور التقني المتسارع.
