كشفت النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن البنك المركزي السعودي "ساما" لشهر أكتوبر 2025، عن أرقام قياسية جديدة تعكس متانة القطاع المالي في المملكة العربية السعودية، حيث واصلت محفظة الائتمان المصرفي الممنوح للقطاع الخاص نموها القوي، مما يؤكد نجاح السياسات المالية والنقدية في دعم الحراك الاقتصادي المتسارع.
نمو الائتمان في ضوء برنامج تطوير القطاع المالي
سجل إجمالي الائتمان المصرفي الممنوح للقطاع الخاص قفزة نوعية ليصل إلى مستويات تاريخية بلغت نحو 3.275 تريليون ريال بنهاية أكتوبر 2025. هذا الارتفاع، الذي يمثل زيادة سنوية بنسبة 13.6% مقارنة بأكتوبر 2024، لا يعد مجرد رقم عابر، بل هو انعكاس مباشر لمستهدفات "برنامج تطوير القطاع المالي"، أحد الركائز الأساسية لرؤية المملكة 2030. يهدف هذا البرنامج إلى بناء قطاع مالي متطور وفاعل لدعم تنمية الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر دخله، وتحفيز الادخار والتمويل والاستثمار، وهو ما تظهره بوضوح بيانات السيولة المتدفقة للقطاعات الحيوية.
هيمنة قروض الأفراد ودعم قطاع الإسكان
استحوذ قطاع الأفراد على حصة الأسد من التمويلات، حيث بلغت القروض المقدمة لهم حوالي 1.427 تريليون ريال، بنمو سنوي قدره 6.6%، لتشكل ما نسبته 43.6% من إجمالي الائتمان. يُعزى هذا النمو المستمر بشكل كبير إلى نجاح برامج الإسكان الحكومية والمبادرات التمويلية المدعومة، مثل برنامج "سكني"، التي ساهمت في رفع نسب تملك المواطنين للمساكن. هذا التوسع في الإقراض العقاري للأفراد يعزز الاستقرار الاجتماعي ويدعم قطاعات المقاولات والتشييد بشكل غير مباشر.
طفرة في التمويل العقاري والصناعي
لم يقتصر النمو على الأفراد، بل شهدت الأنشطة العقارية التجارية والاستثمارية نمواً هائلاً، حيث بلغ التمويل الممنوح لهذا القطاع نحو 383 مليار ريال بزيادة سنوية 26.9%. يتزامن هذا مع النهضة العمرانية والمشاريع الكبرى (Giga-projects) التي تشهدها المملكة. وفي سياق التوجه نحو الصناعة كخيار استراتيجي لتنويع الاقتصاد، حقق قطاع الصناعات التحويلية نمواً سنوياً بنسبة 12.6% ليصل التمويل إلى 201.6 مليار ريال، مما يعكس ثقة القطاع المصرفي في جدوى المشاريع الصناعية الوطنية وبرامج "صنع في السعودية".
البنية التحتية والخدمات: محركات النمو المستدام
أظهرت البيانات توجهاً استراتيجياً في التمويل نحو البنية التحتية، حيث قفزت تمويلات إمدادات الكهرباء والغاز والمياه بنسبة 25.7% لتصل إلى 213.4 مليار ريال. هذا الرقم يشير بوضوح إلى حجم الاستثمارات الضخمة في المرافق العامة اللازمة لتلبية الطلب المتزايد من المشاريع السياحية والصناعية الجديدة. كما سجل قطاع النقل والتخزين نمواً لافتاً بنسبة 28.9%، مما يواكب طموح المملكة لتكون مركزاً لوجستياً عالمياً يربط بين القارات الثلاث.
مؤشرات إيجابية للاقتصاد غير النفطي
تُعد هذه البيانات دليلاً دامغاً على تعافي وازدهار الاقتصاد غير النفطي في المملكة. فالتنوع في محفظة الإقراض لتشمل قطاعات التعدين (بنمو 20.7%)، والأنشطة المالية (بنمو 26.4%)، والتشييد (بنمو 17.8%)، يؤكد أن الدورة الاقتصادية في المملكة باتت تعتمد على محركات نمو متعددة ومستدامة، بعيداً عن تقلبات أسواق الطاقة، مما يعزز من جاذبية البيئة الاستثمارية السعودية للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
