في إنجاز نوعي يعكس نجاح الخطط الاستراتيجية للمملكة، حققت المملكة العربية السعودية المرتبة الخامسة عالمياً والأولى عربياً في نمو قطاع الذكاء الاصطناعي، وذلك وفقاً للمؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي. يأتي هذا التصنيف تتويجاً لمسيرة متسارعة من العمل الدؤوب ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي وضعت التقنية والبيانات في صلب خطط التنويع الاقتصادي.
رؤية 2030: المحرك الأساسي للتحول الرقمي
لم يكن هذا الإنجاز وليد الصدفة، بل هو نتاج حراك استراتيجي بدأ منذ إطلاق رؤية 2030، حيث سعت القيادة السعودية إلى تقليل الاعتماد على النفط والتحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. وقد لعب تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) في عام 2019 دوراً محورياً في توحيد الجهود الوطنية، ووضع استراتيجيات طموحة تهدف لجعل المملكة مركزاً عالمياً للتقنية، وهو ما انعكس بوضوح في التقدم الثابت للمملكة في المؤشرات الدولية المتعلقة بالبنية التحتية الرقمية والحوكمة التقنية.
مبادرات “سدايا” وتعزيز البيئة الريادية
شهدت الفترة التي غطاها التقرير إطلاق “سدايا” لحزمة واسعة من المبادرات النوعية التي عززت موقع المملكة في المؤشر العالمي. ومن أبرز هذه الجهود مبادرة “باقة رواد”، التي صُممت خصيصاً لدعم رواد الأعمال والمنشآت الناشئة، حيث مكنتهم من التحقق من بيانات العملاء عبر الربط الإلكتروني المباشر مع قواعد بيانات مركز المعلومات الوطني، مما سهل ممارسة الأعمال ورفع موثوقية التعاملات الرقمية.
وفي سياق التنظيم الأخلاقي، أطلقت الهيئة مبادرة “الوسوم التحفيزية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، بهدف تعزيز الوعي بالممارسات المسؤولة. وقد أثمرت هذه الجهود عن اعتماد أكثر من 50 شهادة لشركات وطنية طورت منتجات ذكية تخدم قطاعات حيوية، مما يؤكد التزام المملكة بالمعايير العالمية في تطوير التقنيات الحديثة.
الاستثمار في العقول: بناء القدرات الوطنية
إيماناً بأن العنصر البشري هو أساس التنمية، ركزت المملكة جهودها على بناء الكفاءات الشابة من خلال أكاديمية “سدايا”. وقد برزت مبادرة “سماي” كواحدة من أضخم المبادرات التدريبية على مستوى العالم، حيث استهدفت تدريب أكثر من مليون مواطن ومواطنة على مهارات البيانات والذكاء الاصطناعي بالتعاون مع جهات حكومية مختلفة. هذا الاستثمار الضخم في رأس المال البشري يضمن استدامة النمو التقني وتوفر كوادر وطنية قادرة على قيادة المشهد الرقمي مستقبلاً.
مسرعات الأعمال والأثر الاقتصادي المتوقع
على صعيد دعم الابتكار، أسهمت مسرّعة الذكاء الاصطناعي التوليدي “غاية”، المدعومة من البرنامج الوطني لتنمية تقنية المعلومات وبالشراكة مع “New Native”، في تسريع دخول الشركات الناشئة إلى السوق. يُتوقع أن يكون لهذا الحراك التقني أثر اقتصادي بالغ الأهمية، ليس فقط محلياً بل إقليمياً، حيث يعزز من جاذبية المملكة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع التكنولوجيا، ويرسخ مكانتها كبوابة رقمية تربط الشرق بالغرب، مما يدفع عجلة الاقتصاد غير النفطي نحو آفاق جديدة.