في خطوة تنظيمية حاسمة تهدف إلى تعزيز معايير السلامة الغذائية وحماية الصحة العامة، اعتمدت الهيئة العامة للغذاء والدواء في المملكة العربية السعودية لائحة عقوبات جديدة ومشددة لمواجهة حوادث التسمم الغذائي. وبموجب هذه اللائحة، سيتم فرض غرامات مالية فورية تصل إلى 60 ألف ريال عن كل شخص يتضرر، مع إحالة المتسببين في حالات الوفاة أو الأضرار الجسيمة الدائمة إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات الجنائية اللازمة.
تتميز اللائحة الجديدة بصرامتها وإلغائها لمبدأ التدرج في العقوبة أو الاكتفاء بالإنذارات الأولية، حيث أقرت مبدأ “الغرامة لكل متضرر” لضمان تحقيق الردع الكامل. وتتفاوت قيمة العقوبات المالية بحسب حجم المنشأة ونطاق مسؤوليتها؛ إذ تتراوح الغرامات المفروضة على منافذ البيع والمطاعم بين 3 آلاف و30 ألف ريال عن كل فرد مصاب. في المقابل، تتضاعف هذه القيم عند تطبيقها على المنشآت الأكبر حجماً مثل المصانع والمستودعات ومراكز التوزيع، لتصل إلى ما بين 6 آلاف و60 ألف ريال عن كل حالة تسمم، مما يعكس حجم المسؤولية الملقاة على عاتق هذه الكيانات في سلسلة الإمداد الغذائي.
السياق العام وأهمية القرار
يأتي هذا القرار في سياق جهود المملكة المستمرة لتطوير بيئتها التنظيمية والرقابية، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030 التي تضع جودة الحياة والصحة العامة على رأس أولوياتها. ومع التوسع الكبير الذي يشهده قطاع السياحة والترفيه واستضافة ملايين الزوار والمعتمرين سنوياً، أصبحت سلامة الغذاء عنصراً حيوياً لا يمس صحة المواطنين والمقيمين فحسب، بل يؤثر بشكل مباشر على سمعة المملكة كوجهة عالمية آمنة وموثوقة. وتاريخياً، كانت الجهات الرقابية تتعامل مع مخالفات السلامة الغذائية بإجراءات متنوعة، لكن هذه اللائحة تمثل نقلة نوعية نحو تطبيق سياسة عدم التسامح مطلقاً مع الإهمال الذي يهدد حياة الأفراد.
التأثيرات المتوقعة على المستويين المحلي والدولي
من المتوقع أن يُحدث هذا التشريع تأثيراً عميقاً على قطاع الأغذية والمشروبات في السعودية. فعلى المستوى المحلي، سيؤدي إلى رفع مستوى الالتزام بمعايير النظافة والسلامة لدى جميع المنشآت الغذائية، من أصغر مطعم إلى أكبر مصنع، خوفاً من العقوبات المالية الصارمة والمساءلة الجنائية. كما سيعزز ثقة المستهلك في السوق المحلي ويقلل من حالات التسمم الغذائي التي تشكل عبئاً على النظام الصحي. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن هذه الخطوة تضع المملكة في مصاف الدول الرائدة في مجال الرقابة الغذائية، مما يعزز من قوة علامتها التجارية في استقطاب الاستثمارات والسياح، ويضمن أن المنتجات الغذائية المصنعة محلياً تلتزم بأعلى المعايير العالمية، مما يسهل من عمليات التصدير ويعزز مكانتها الاقتصادية.