أعلنت وزارة الصحة السعودية، في خطوة رائدة على مستوى المنطقة، عن انطلاق البرنامج الوطني لتحصين جميع المواليد ضد الفيروس المخلوي التنفسي (RSV) ابتداءً من الأول من نوفمبر. وأكد وكيل وزارة الصحة للصحة السكانية، الدكتور عبدالله عسيري، أن هذا البرنامج يهدف إلى توفير حماية استباقية للرضع من مضاعفات العدوى التي تعد السبب الأول لتنويمهم في المستشفيات خلال فصلي الخريف والشتاء، مشيراً إلى أن فعالية التحصين تصل إلى 80% في خفض حالات التنويم بالمستشفيات والعناية المركزة.
ما هو الفيروس المخلوي التنفسي (RSV)؟
الفيروس المخلوي التنفسي هو فيروس شائع يسبب التهابات في الجهاز التنفسي. بالنسبة لمعظم البالغين والأطفال الأصحاء، تكون أعراضه شبيهة بنزلة البرد الخفيفة. لكنه قد يكون خطيراً جداً على فئات معينة، خاصة الرضع والأطفال الخدج وكبار السن وأصحاب المناعة الضعيفة. يمكن أن يؤدي الفيروس إلى مضاعفات حادة مثل التهاب القصيبات (التهاب الممرات الهوائية الصغيرة في الرئة) والالتهاب الرئوي، مما يستدعي الدخول إلى المستشفى. ينتشر الفيروس بسهولة عبر الرذاذ المتطاير من السعال أو العطاس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة، ويصل إلى ذروة نشاطه في المواسم الباردة.
سياق تاريخي وأهمية الإنجاز العلمي
يمثل توفير تحصين فعال ضد الفيروس المخلوي التنفسي إنجازاً علمياً طال انتظاره. لعقود طويلة، شكل تطوير لقاح آمن وفعال تحدياً كبيراً للباحثين حول العالم. لكن التطورات الأخيرة في الهندسة الحيوية والعلوم المناعية أدت إلى تحقيق اختراقات مهمة، تمثلت في تطوير أجسام مضادة وحيدة النسيلة طويلة المفعول، مثل المصل الوقائي المستخدم في هذا البرنامج، والتي توفر حماية سلبية فورية للرضع طوال موسم انتشار الفيروس. ويأتي إطلاق المملكة لهذا البرنامج الواسع ليضعها في مصاف الدول المتقدمة التي تتبنى أحدث التقنيات الوقائية لحماية مواطنيها.
تأثير البرنامج على المستوى الوطني والإقليمي
على الصعيد المحلي، يُتوقع أن يُحدث البرنامج نقلة نوعية في الصحة العامة للأطفال، حيث سيخفف العبء بشكل كبير عن المنظومة الصحية، من خلال تقليل عدد حالات الدخول إلى أجنحة الأطفال ووحدات العناية المركزة. كما سيقلل من القلق والضغط النفسي والمادي على الأسر. يتماشى هذا الإنجاز مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تضع تحسين جودة الحياة وتعزيز الصحة الوقائية في مقدمة أولوياتها.
إقليمياً، يعد هذا البرنامج، الذي وصفه الدكتور عسيري بأنه الأكبر من نوعه خارج أوروبا والأمريكتين، نموذجاً يحتذى به لدول المنطقة، ويعكس جاهزية القطاع الصحي السعودي وقدرته على تبني أحدث التدخلات الوقائية العالمية. ومن شأن نجاحه أن يشجع دولاً أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة لحماية مواليدها.
آلية عمل البرنامج وتوفير الحماية
أوضحت وزارة الصحة أن المصل الوقائي سيُعطى لجميع المواليد عبر جرعة واحدة، تمتد فعاليتها لتغطي كامل فترة نشاط الفيروس في الشتاء. وقد أصبح المصل متاحاً في جميع المستشفيات وأقسام الولادة منذ 1 نوفمبر لضمان حصول المواليد الجدد على الحماية في وقت مبكر. وأشارت الوزارة إلى أن الدراسات السريرية أظهرت انخفاضاً هائلاً في حاجة الأطفال المحصنين للرعاية الطبية مقارنة بغير المحصنين، مما يؤكد الفعالية العالية للمصل في منع الحالات الشديدة من المرض.