في خطوة تعكس الأولوية القصوى التي توليها المملكة العربية السعودية لقطاع التعليم، كشف وزير التعليم الأستاذ يوسف البنيان عن تخصيص ميزانية ضخمة تبلغ 30 مليار ريال لتنفيذ مشاريع جديدة تهدف إلى تعزيز وتطوير البيئة التعليمية في جميع أنحاء المملكة. جاء هذا الإعلان خلال جلسة حوارية ضمن فعاليات ملتقى “ميزانية السعودية 2026″، مؤكداً أن هذا الاستثمار يأتي كجزء من مخصصات إجمالية لقطاع التعليم تصل إلى 200 مليار ريال، تشمل التعليم العام، الجامعي، والتقني والمهني.
خلفية تاريخية ورؤية استراتيجية للتعليم
يأتي هذا الدعم الحكومي السخي استمراراً لنهج المملكة الراسخ في الاستثمار في رأس المال البشري باعتباره حجر الزاوية في التنمية المستدامة. وعلى مر العقود، أولت السعودية اهتماماً كبيراً ببناء منظومة تعليمية متكاملة. ومع انطلاق رؤية السعودية 2030، اكتسب هذا التوجه زخماً غير مسبوق، حيث يهدف برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد أهم برامج الرؤية، إلى إعداد مواطن منافس عالمياً من خلال تطوير رحلة التعليم والتعلم وإعداد الشباب لسوق العمل المستقبلي. ويعتبر هذا التخصيص المالي ترجمة عملية لهذه الأهداف الطموحة، حيث ينتقل التركيز من مجرد توفير التعليم إلى ضمان جودته وملاءمته لمتطلبات القرن الحادي والعشرين.
أبعاد الاستثمار وتأثيره المتوقع
أوضح الوزير البنيان أن مبلغ الـ 30 مليار ريال سيتم توجيهه بشكل أساسي نحو تطوير البنية التحتية للمؤسسات التعليمية وتأهيل المدارس القائمة وإنشاء مشاريع جديدة. الهدف من ذلك هو ضمان توفير بيئة مدرسية محفزة ومجهزة بأحدث التقنيات والمرافق التي تمكّن الطلاب والمعلمين من تحقيق أفضل نواتج التعليم. محلياً، من المتوقع أن يؤدي هذا الاستثمار إلى تحسين جودة المخرجات التعليمية، وتقليص الفجوة بين التعليم العام ومتطلبات سوق العمل، ورفع مستوى رضا الطلاب وأولياء الأمور. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن تطوير منظومة التعليم يعزز من مكانة المملكة كمركز للمعرفة والابتكار في المنطقة، ويجعلها وجهة جاذبة للمواهب والاستثمارات، كما يرفع من تصنيف جامعاتها ومؤسساتها التعليمية في المؤشرات العالمية.
التحول الرقمي والابتكار في التعليم
لم يغفل الإعلان عن أهمية الجانب الرقمي، حيث أشار البنيان إلى تخصيص نحو ملياري ريال لتعزيز البنية التحتية الرقمية، واصفاً إياها بالعمود الفقري للعملية التعليمية الحديثة. وتعد منصة “مدرستي” التي يستفيد منها 7 ملايين طالب وطالبة، والمنصة الوطنية للتعليم الإلكتروني التي تخدم مليوني مستفيد، أمثلة حية على نجاح هذا التوجه. وأكد الوزير أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور محوري في إحداث تحول جذري في أساليب التعليم وصناعة المستقبل، مشيراً إلى أن الاستثمار في البنية الرقمية هو الضمانة الأساسية لتحقيق هذه المستهدفات. بالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص أكثر من 750 مليون ريال لتطوير المناهج، مما يضمن مواكبتها لأحدث المعارف والمهارات العالمية.
دعم المواهب الوطنية
وفي إطار بناء اقتصاد معرفي مستدام، نوه الوزير بتخصيص 4 مليارات ريال لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، الذي يعد رافداً أساسياً لتزويد سوق العمل السعودي بالكفاءات والمواهب البشرية المؤهلة عالمياً. يضمن هذا البرنامج استمرارية تدفق الخبرات والمعارف المتقدمة إلى منظومة الاقتصاد الوطني، مما يساهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف التنمية الشاملة ورؤية 2030.