في خطوة استراتيجية لتعزيز حماية التراث الإنتاجي والثقافي، اعتمدت الهيئة السعودية للملكية الفكرية نظام حماية المؤشرات الجغرافية، الذي يضع إطاراً قانونياً صارماً لحماية أسماء المنتجات المرتبطة بمناطقها الأصلية، ويفرض عقوبات مشددة تصل إلى السجن ثلاث سنوات وغرامة مليون ريال على المخالفين، بهدف منع التضليل التجاري وتعزيز القيمة الاقتصادية للمنتجات الوطنية.
السياق العام وأهمية المؤشرات الجغرافية
تُعرّف المؤشرات الجغرافية بأنها علامات تُستخدم للمنتجات التي لها منشأ جغرافي محدد، وتعتمد صفاتها أو سمعتها أو خصائصها بشكل أساسي على هذا المنشأ. وتشمل هذه الخصائص العوامل الطبيعية (مثل المناخ والتربة) أو العوامل البشرية (مثل المهارات والتقاليد الإنتاجية المتوارثة). عالمياً، تُعد المؤشرات الجغرافية أداة اقتصادية هامة، حيث تمنح المنتجات ميزة تنافسية، وتحمي المستهلك من الغش، وتحافظ على التراث المحلي. وتأتي هذه الخطوة السعودية تماشياً مع الالتزامات الدولية، خاصة اتفاقية “تريبس” (TRIPS) لمنظمة التجارة العالمية، التي تلزم الدول الأعضاء بتوفير الحماية القانونية لهذه المؤشرات.
نظام متكامل لدعم رؤية 2030
يعد النظام الجديد جزءاً لا يتجزأ من منظومة الملكية الفكرية الأوسع في المملكة، وداعماً رئيسياً لأهداف رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وحماية المنتجات الوطنية ذات القيمة العالية مثل “التمور الحساوية”، “الورد الطائفي”، و”البن الخولاني”. من خلال توفير حماية قانونية دقيقة، يهدف النظام إلى رفع القيمة السوقية لهذه المنتجات، وتشجيع المنتجين المحليين على الالتزام بأعلى معايير الجودة، وفتح أسواق جديدة أمامهم على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أبرز ملامح النظام الجديد
يوفر النظام حماية شاملة تشمل ثلاث فئات رئيسية: المؤشرات الجغرافية الوطنية المسجلة في المملكة، والمؤشرات الأجنبية المحمية في بلدانها الأصلية، بالإضافة إلى تلك المشمولة باتفاقيات دولية تكون المملكة طرفاً فيها. ولضمان الشفافية، نصت المادة الرابعة على إنشاء “سجل للمؤشرات الجغرافية” لدى الهيئة، يكون متاحاً للجمهور ويحتوي على كافة البيانات المتعلقة بالمؤشرات المسجلة.
وتحدد المادة الخامسة شروط التسجيل بدقة، حيث يجب أن يكون ارتباط المنتج بالمنطقة الجغرافية قائماً على عوامل طبيعية أو بشرية، وألا يتعارض المؤشر مع النظام العام أو يؤدي إلى لبس مع علامات تجارية مسجلة. كما تُلزم المواد من السادسة إلى التاسعة مقدم الطلب بتقديم دليل يثبت هذا الارتباط، مع وصف مفصل للمنتج وخصائصه وطريقة إنتاجه.
حماية استباقية وعقوبات رادعة
منحت المادة العاشرة الهيئة صلاحية تسجيل المؤشرات الجغرافية الوطنية بشكل استباقي لحماية المنتجات ذات الشهرة من الاستغلال غير المشروع. ولضمان العدالة، كفلت المادة الحادية عشرة حق التظلم أمام لجنة متخصصة، ثم الطعن أمام المحكمة المختصة.
ويأتي الفصل الأهم في المادة الحادية والعشرين، التي أقرت عقوبات صارمة لردع المخالفين، تشمل:
- السجن لمدة تتراوح بين شهر وثلاث سنوات.
- غرامة مالية من 5 آلاف إلى مليون ريال سعودي.
- إمكانية الجمع بين عقوبتي السجن والغرامة.
- مضاعفة العقوبة عند تكرار المخالفة.
- نشر الحكم على نفقة المحكوم عليه وإغلاق المنشأة لمدة تصل إلى ستة أشهر.
التأثير الاقتصادي والثقافي المتوقع
من المتوقع أن يكون للنظام تأثير إيجابي متعدد الأبعاد. فعلى المستوى المحلي، سيحمي المستهلكين ويضمن حصولهم على منتجات أصلية ذات جودة عالية، كما سيدعم المنتجين المحليين من خلال حماية علامتهم الجغرافية من التقليد والمنافسة غير المشروعة. أما على المستوى الدولي، فيعزز النظام مكانة المملكة كشريك تجاري موثوق يلتزم بأعلى معايير حماية الملكية الفكرية، ويسهل نفاذ المنتجات السعودية الأصيلة إلى الأسواق العالمية، مما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والحفاظ على الهوية الثقافية للمملكة.