خطوة استراتيجية نحو الاستدامة البيئية
في خطوة تعكس التزام المملكة العربية السعودية الراسخ بتحقيق أعلى معايير الاستدامة البيئية، كشف المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي عن نتائج مسح ميداني شامل، يُعد الأضخم من نوعه، بهدف حصر وتأهيل المواقع المتأثرة بالأنشطة الصناعية والتنموية. غطى المسح مساحة تتجاوز 12 مليون متر مربع في مختلف أنحاء المملكة، وأسفر عن تحديد 339 بؤرة تلوث أثرت بشكل مباشر على الأوساط البيئية الحيوية من تربة ومياه وهواء.
السياق العام: التنمية المستدامة في إطار رؤية 2030
تأتي هذه الجهود في سياق التحول الوطني الشامل الذي تقوده رؤية المملكة 2030، والتي تضع حماية البيئة وتعزيز الاستدامة في صميم أهدافها. فمع تسارع وتيرة المشاريع الصناعية والتنموية الضخمة، برزت الحاجة الماسة إلى وجود إطار رقابي وتشريعي قوي يضمن تحقيق النمو الاقتصادي دون المساس بالموارد الطبيعية أو الإضرار بالصحة العامة. ويمثل تأسيس المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي أحد الأدوات التنفيذية الرئيسية لهذه الرؤية، حيث يعمل على رصد وتقييم الأثر البيئي للأنشطة المختلفة، وضمان التزامها باللوائح والمعايير المعتمدة، بما يتماشى مع مبادرات كبرى مثل “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”.
نتائج دقيقة وتصنيف للمخاطر
أوضح التقرير الرسمي الصادر عن المركز أن 33 موقعاً من البؤر المكتشفة تم تصنيفها ضمن فئة “عالية الخطورة”، وهو ما استدعى تحركاً فورياً لإعداد دراسات تقييمية تفصيلية وخطط معالجة عاجلة. تهدف هذه الخطط إلى وقف انتشار الملوثات وإعادة تأهيل هذه المواقع بالكامل، للحد من تأثيراتها السلبية المحتملة على النظم البيئية المحيطة والمجتمعات السكانية القريبة. واستندت الدراسة في نتائجها إلى قاعدة بيانات ضخمة تم جمعها عبر 13,953 نقطة قياس ميدانية، باستخدام أحدث التقنيات والأجهزة المحمولة عالية الدقة لرصد المؤشرات الكيميائية والفيزيائية للتلوث.
أهمية المسح وتأثيره المتوقع
تكمن أهمية هذا المسح في كونه يوفر خط أساس علمي ودقيق لصناع القرار، مما يمكنهم من وضع استراتيجيات فعالة وموجهة لمعالجة قضايا التلوث الصناعي. على الصعيد المحلي، ستساهم نتائج المسح وخطط إعادة التأهيل في حماية الموارد المائية الشحيحة، خاصة المياه الجوفية التي تمثل مخزوناً استراتيجياً، بالإضافة إلى الحفاظ على خصوبة التربة ونقاء الهواء، مما ينعكس إيجاباً على جودة الحياة والصحة العامة للمواطنين والمقيمين. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن هذه المبادرة تعزز من مكانة المملكة كدولة رائدة في مجال حماية البيئة وتؤكد جديتها في الوفاء بالتزاماتها ضمن الاتفاقيات البيئية العالمية، الأمر الذي يجذب الاستثمارات النوعية والمستدامة ويدعم صورتها كشريك عالمي مسؤول في مواجهة التحديات البيئية.
منهجية علمية شاملة
شملت عمليات الرصد الميداني فحصاً دقيقاً لمختلف الأوساط البيئية:
- المياه السطحية والجوفية: تم جمع 47 عينة من المياه السطحية و60 عينة من المياه الجوفية، ودُعمت بأكثر من 4,000 قياس ميداني لرصد أي تسربات ملوثة.
- التربة: خضعت 184 عينة من التربة السطحية وتحت السطحية للتحليل المخبري، مع إجراء ما يزيد عن 6,800 قياس ميداني لتحديد أنواع الملوثات وعمق انتشارها.
- الهواء: تم تنفيذ 860 عملية قياس لجودة الهواء المحيط بالمواقع الصناعية لتقييم مدى تطابق الانبعاثات مع المعايير المسموح بها.
ويؤكد المركز أن “البرنامج الوطني لإعادة تأهيل البؤر الملوثة” مستمر في أعماله، لضمان تحقيق بيئة مزدهرة ومستدامة للأجيال الحالية والمستقبلية، تماشياً مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.