تستعد العاصمة السعودية الرياض لاحتضان حدث ثقافي بارز، حيث تنظم هيئة المسرح والفنون الأدائية الدورة الثالثة من “مهرجان الرياض للمسرح”، وذلك خلال الفترة من 15 حتى 22 ديسمبر 2023. سيُقام المهرجان في مركز المؤتمرات بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، ليُشكل منصة حيوية تجمع عشاق الفن المسرحي وصُنّاعه في المملكة، ويفتح نافذة جديدة على مستقبل الفنون الأدائية السعودية.
خلفية تاريخية: المسرح السعودي من البدايات إلى النهضة الجديدة
لم يكن المسرح غائباً عن المشهد الثقافي السعودي، فقد شهدت المملكة محاولات مسرحية مبكرة منذ منتصف القرن العشرين، قادها رواد آمنوا بقوة هذا الفن وقدرته على التعبير عن قضايا المجتمع. ورغم التحديات التي واجهها، ظل الحراك المسرحي مستمراً بجهود فردية ومؤسسية محدودة. ومع انطلاق رؤية السعودية 2030، شهد قطاع الثقافة، بما في ذلك المسرح، تحولاً جذرياً. فقد أولت الرؤية اهتماماً غير مسبوق بتنمية الفنون كأحد محركات جودة الحياة والتنمية الاقتصادية، مما أدى إلى تأسيس هيئة المسرح والفنون الأدائية في عام 2020 لتكون المظلة الرسمية التي ترعى وتطور هذا القطاع الواعد.
مهرجان الرياض للمسرح: منصة للإبداع ودعامة لرؤية 2030
يأتي تنظيم مهرجان الرياض للمسرح في دورته الثالثة كتجسيد عملي لهذه الاستراتيجية الوطنية الطموحة. فالمهرجان لا يقتصر على كونه مجرد مجموعة من العروض المسرحية، بل هو منظومة متكاملة تهدف إلى بناء صناعة مسرحية مستدامة. يعمل المهرجان على تحقيق عدة أهداف استراتيجية، أبرزها اكتشاف ودعم المواهب الوطنية في كافة تخصصات المسرح من تمثيل وإخراج وكتابة وتصميم، وتحفيز الإنتاج المسرحي المحلي ذي الجودة العالية، وخلق بيئة تنافسية إيجابية تساهم في الارتقاء بمستوى الأعمال المقدمة. كما يمثل المهرجان فرصة لتعزيز البنية التحتية للمسرح من خلال توفير منصات عرض احترافية وتشجيع الاستثمار في هذا المجال الحيوي.
الأهمية والأثر المتوقع: أبعاد محلية وإقليمية
يكتسب المهرجان أهمية كبرى على المستوى المحلي، فهو يساهم في بناء قاعدة جماهيرية جديدة للمسرح، ويعيد ربط المجتمع بهذا الفن العريق الذي يُعرف بـ “أبو الفنون”. ومن خلال الورش التدريبية والندوات النقدية المصاحبة للعروض، يعمل المهرجان على صقل مهارات المسرحيين السعوديين وتزويدهم بأحدث المعارف والتقنيات العالمية. أما على الصعيد الإقليمي، فيسعى المهرجان إلى ترسيخ مكانة الرياض كعاصمة للثقافة والفن في المنطقة، وجذب الأنظار إلى الإنتاج المسرحي السعودي المتميز، وفتح آفاق للتعاون المشترك مع الفرق المسرحية الخليجية والعربية، مما يثري التجربة الفنية ويعزز التبادل الثقافي.
تكريم العمالقة: احتفاء بإرث إبراهيم الحمدان وعبد الرحمن المريخي
وفاءً وتقديراً لجيل الرواد، تحتفي هذه الدورة من المهرجان بتكريم قاماتين فنيتين لهما بصمات واضحة في تاريخ المسرح السعودي. الفنان القدير إبراهيم الحمدان، الذي أثرى الشاشة والمسرح بأدواره المتنوعة على مدى عقود، والكاتب والمخرج عبد الرحمن المريخي، الذي قدم أعمالاً مسرحية مهمة ناقشت قضايا اجتماعية بأسلوب فني راقٍ. هذا التكريم ليس مجرد لفتة رمزية، بل هو رسالة للأجيال الشابة تؤكد على قيمة الإرث الفني وأهمية البناء على ما أسسه الرواد، وربط الحاضر المزدهر للمسرح السعودي بماضيه العريق.