تعيش الجماهير الرياضية السعودية حالة من الترقب الممزوج بالتفاؤل الحذر قبل انطلاق نهائيات كأس العالم 2026، وذلك بعدما كشفت القرعة التي أقيمت مساء الجمعة في الولايات المتحدة الأمريكية عن ملامح المجموعة الثامنة النارية. وقد وضعت القرعة المنتخب السعودي في اختبار حقيقي إلى جانب ثلاثة منتخبات تتباين في مدارسها الكروية وتاريخها: الماتادور الإسباني، والسيليستي الأوروجوياني، ومنتخب الرأس الأخضر (كاب فيردي).
وتكتسب هذه النسخة من المونديال أهمية تاريخية واستثنائية، كونها الأولى التي تقام بمشاركة 48 منتخباً، وتستضيفها ثلاث دول هي الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، مما يضع الكرة السعودية أمام تحدٍ عالمي لإثبات تطورها المستمر ضمن رؤية المملكة الرياضية. وما يزيد من إثارة المشهد هو وجود المدرب الفرنسي الخبير هيرفي رينارد على رأس الجهاز الفني للأخضر، وهو الذي يمتلك سجلاً حافلاً ومواجهات سابقة ضد جميع منتخبات المجموعة، مما يمنح الجماهير نظرة فنية وتكتيكية حول كيفية إدارة هذه المباريات المصيرية.
ملحمة روسيا 2018.. حينما أحرج رينارد الإسبان
لعل المحطة الأبرز والأكثر خلوداً في ذاكرة الجماهير العربية هي مواجهة رينارد للمنتخب الإسباني في كأس العالم 2018 بروسيا، عندما كان مدرباً لأسود الأطلس. في تلك المباراة التي أقيمت ضمن الجولة الأخيرة من دور المجموعات، قدم المنتخب المغربي تحت قيادة رينارد درساً في الانضباط التكتيكي والروح القتالية، ونجح في إحراج بطل العالم 2010.
انتهى اللقاء بتعادل درامي 2-2، حيث تقدم المغرب مرتين عبر خالد بوطيب ويوسف النصيري، ولم تتمكن إسبانيا من التعادل إلا بشق الأنفس عبر إيسكو وياجو أسباس (في الوقت القاتل). تلك المباراة أثبتت قدرة رينارد على مقارعة الكبار وتحجيم خطورة مدارس الاستحواذ، وهو سيناريو تأمل الجماهير السعودية تكراره، خاصة بعد ملحمة الفوز على الأرجنتين في مونديال قطر 2022.
مواجهة أوروجواي.. درس مبكر من كافاني
بالعودة إلى الوراء قليلاً، وتحديداً في 11 أغسطس 2010، خاض رينارد تجربة مختلفة عندما كان مدرباً لمنتخب أنجولا، حيث واجه منتخب أوروجواي في مباراة ودية. في ذلك الوقت، كان المنتخب الأوروجوياني يعيش فترته الذهبية بعد وصوله لنصف نهائي مونديال جنوب إفريقيا.
رغم الأداء الدفاعي الصلب الذي فرضه رينارد، إلا أن الفوارق الفردية حسمت اللقاء لصالح “السيليستي” بثنائية نظيفة سجلها النجم إدينسون كافاني وآبيل هيرنانديز. هذه التجربة القديمة تمنح رينارد تصوراً واضحاً عن “الجرينتا” اللاتينية والأسلوب البدني الشرس الذي يتميز به منتخب أوروجواي، وهو ما يتطلب تحضيراً بدنياً وذهنياً خاصاً للاعبي الأخضر.
الرأس الأخضر.. تفوق كاسح في الأدغال الإفريقية
أما على الصعيد الإفريقي، فيمتلك رينارد سجلاً ناصعاً أمام منتخب الرأس الأخضر (كاب فيردي). فخلال توليه تدريب المنتخب المغربي، واجه رينارد هذا الخصم في تصفيات كأس الأمم الإفريقية 2016، ونجح في تحقيق العلامة الكاملة.
حقق الثعلب الفرنسي انتصارين متتاليين، الأول خارج الديار بنتيجة 1-0، والثاني بنتيجة 2-0، حيث كان النجم يوسف العربي هو كلمة السر بتسجيله جميع الأهداف. هذا التفوق يؤكد خبرة رينارد العريضة في التعامل مع المنتخبات الإفريقية المتطورة بدنياً، مما يعزز حظوظ المنتخب السعودي في حصد نقاط هذه المباراة التي قد تكون مفتاح التأهل للدور المقبل.
سيناريوهات متفائلة للأخضر
رغم اختلاف الظروف وتغير الأجيال منذ تلك المواجهات، إلا أن معرفة رينارد المسبقة بأساليب لعب هذه المدارس الثلاث (الأوروبية اللاتينية، الأمريكية الجنوبية، والإفريقية) تعد سلاحاً ذو حدين. فالشارع الرياضي السعودي يعول كثيراً على الدهاء التكتيكي للمدرب الفرنسي وقدرته على شحن همم اللاعبين في المواعيد الكبرى، لتقديم نسخة مشرفة تليق بسمعة الكرة السعودية في المحفل العالمي الأكبر.