في ليلة سينمائية استثنائية جمعت بين بريق النجوم وعبق التاريخ الرياضي، افتتح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي مساء الخميس فعاليات دورته الخامسة، مُعلناً عن انطلاق محفل ثقافي عالمي من قلب المملكة العربية السعودية. وقد وقع الاختيار على فيلم الدراما والسيرة الذاتية "العملاق" (The Giant) ليكون ضربة البداية، وهو العمل الذي يوثق مسيرة أحد أبرز الأسماء في تاريخ الملاكمة، البطل البريطاني ذو الأصول اليمنية نسيم حميد.
قصة صعود "البرنس".. أكثر من مجرد ملاكمة
يغوص فيلم "العملاق" في تفاصيل حياة الملاكم الملقب بـ"ناز" أو "البرنس"، متجاوزاً مجرد رصد النزالات داخل الحلبة، ليقدم سرداً درامياً إنسانياً لمسيرته. يتتبع العمل بدايات نسيم المتواضعة في مدينة شيفيلد بالمملكة المتحدة، وكيف شق طريقه وسط تحديات اجتماعية وثقافية معقدة خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات. ويسلط الفيلم الضوء بجرأة على قضايا العنصرية وكراهية الإسلام التي واجهها البطل الشاب، وكيف حول هذه العقبات إلى وقود دفعه لاعتلاء منصات التتويج العالمية.
ويبرز العمل العلاقة الأبوية والمهنية المعقدة التي جمعت نسيم بمدربه الإيرلندي الراحل بريندان إنجل، الذي اكتشف موهبته وصقل أسلوبه غير التقليدي في الملاكمة، والذي تميز بخفة الحركة والقدرة الفائقة على المراوغة، مما جعل من نسيم ظاهرة رياضية فريدة في عصره.
أداء تمثيلي وإخراج عالمي
يجسد شخصية نسيم حميد في الفيلم النجم المصري – البريطاني أمير المصري، في دور يُتوقع أن يكون نقطة تحول كبرى في مسيرته الفنية، نظراً للتعقيد النفسي والبدني للشخصية. ويحمل الفيلم توقيع المخرج البريطاني–الهندي روان أثالي، الذي نجح في نقل أجواء تلك الحقبة ببراعة. وقد شهد العرض الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تفاعلاً كبيراً من الحضور، حيث يعكس الفيلم قصة نجاح ملهمة تلامس وجدان الجمهور العربي.
نسيم حميد.. خلفية تاريخية لأسطورة حية
لإدراك أهمية هذا العمل، يجب النظر إلى السياق التاريخي لما حققه نسيم حميد. فقد كان "البرنس" أول ملاكم يمني وعربي يحقق شهرة عالمية كاسحة في وزن الريشة، جامعاً بين ألقاب منظمات الملاكمة العالمية (WBO, WBC, IBF). تميز نسيم بدخوله الاستعراضي للحلبة وشخصيته الكاريزمية التي جذبت الملايين حول العالم لمتابعة رياضة الملاكمة، مما جعله أيقونة ثقافية تجاوزت حدود الرياضة لتصبح رمزاً للإصرار وتحدي الصور النمطية في الغرب.
مهرجان البحر الأحمر.. منصة للقصص المُلهمة
شهدت السجادة الحمراء للمهرجان حضوراً لافتاً لنجوم السينما وصنّاع الأفلام من مختلف أنحاء العالم، مما يرسخ مكانة المهرجان كمنصة إقليمية رائدة. وفي هذا السياق، أكد فيصل بالطيور، الرئيس التنفيذي لمؤسسة البحر الأحمر السينمائية، أن اختيار "العملاق" للافتتاح يجسد احتفاءً فنياً بالمواهب الإقليمية التي أثبتت حضورها عالمياً.
وأضاف بالطيور أن هذا العرض يعكس الحضور المتنامي للمبدعين العرب في الإنتاجات الدولية، ويؤكد دور المهرجان المحوري في دعم القصص الملهمة التي تعبر عن الاعتزاز بالهوية، وتبرز القوى الناعمة للمنطقة على الساحة السينمائية الدولية.
