يواصل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الحالية بمدينة جدة ترسيخ مكانته كمنارة ثقافية عالمية، حيث شهد يومه الرابع زخمًا كبيرًا من الفعاليات التي جمعت بين العروض السينمائية الأولى والجلسات الحوارية العميقة. ويأتي هذا الحدث في سياق الحراك الثقافي والفني غير المسبوق الذي تشهده المملكة العربية السعودية، والذي يهدف إلى جعل المملكة وجهة رئيسية لصناعة السينما في المنطقة، ومد جسور التواصل بين الثقافات الشرقية والغربية.
السينما السعودية الجديدة تتصدر المشهد
في خطوة تعكس التطور المتسارع لصناعة الأفلام المحلية، احتضن ميدان الثقافة في منطقة “البلد” التاريخية عروضًا مميزة ضمن برنامج “السينما السعودية الجديدة”. وقد شهدت السجادة الحمراء العرض الأول لفيلم “نور” للمخرج عمر المقرّي، الذي يوثق مسيرة اللاعب محمد نور، مقدمًا قصة ملهمة عن الصعود من بدايات متواضعة في مكة المكرمة إلى قمة المجد الرياضي، وهو ما يعكس اهتمام المهرجان بتوثيق القصص المحلية المؤثرة.
كما برزت التجارب الفنية التجريبية من خلال فيلم “رأيت رسم الرمال” للمخرج عبدالله الحمدي، وفيلم “دوائر الحياة” للمخرج خالد الدسيماني، حيث قدم العملان رؤية فلسفية للفن والذاكرة، مما يؤكد نضج الأدوات الفنية لدى صناع الأفلام السعوديين وقدرتهم على تقديم معالجات بصرية وفكرية عميقة تتجاوز السرد التقليدي.
عروض عالمية وتنوع ثقافي
وعلى الصعيد الدولي، واصل المهرجان دوره كمنصة للتنوع الثقافي عبر مسابقة البحر الأحمر للأفلام الطويلة. فقد تم عرض الفيلم الكيني “تراك ماما” للمخرجة زيبورا نياروري، والفيلم الصومالي “بارني” للمخرج محمد شيخ، والفيلم السوري “يونان” للمخرج أمير فخر الدين. تعكس هذه الاختيارات التزام المهرجان بتسليط الضوء على قضايا الإنسان في المنطقة العربية وأفريقيا، من قصص الكفاح اليومي إلى قضايا الاغتراب والهوية.
ومن أبرز الأحداث التي شهدها اليوم الرابع، العرض الأول لفيلم “المجهولة” للمخرجة السعودية الرائدة هيفاء المنصور، التي تعد من الأسماء التي مهدت الطريق للسينما السعودية عالميًا. يتناول فيلمها قصة “نوال” ورحلة البحث عن الذات، مما يضيف بعدًا اجتماعيًا هامًا للعروض. كما تم الاحتفاء بالتراث السينمائي الهندي عبر عرض النسخة المرممة من الكلاسيكية “أومراو جان” (1981)، مما يبرز دور المهرجان في الحفاظ على الذاكرة السينمائية العالمية.
حوارات ملهمة ترسم مستقبل الصناعة
لم تقتصر الفعاليات على العروض، بل شهدت أروقة المهرجان جلسات حوارية استثنائية أثرت النقاش الفني. حيث استضاف المهرجان المخرج الأمريكي شون بيكر، رئيس لجنة تحكيم المسابقة، والممثلة المصرية مي عمر، بالإضافة إلى المخرجة اللبنانية العالمية نادين لبكي.
وفي جلستها الحوارية، أكدت نادين لبكي، المرشحة لجائزة الأوسكار، على القوة الناعمة للسينما وتأثيرها في التغيير المجتمعي. وقالت في تصريح يعكس رؤيتها الفنية: “الإنسان هو مصدر إلهامي الرئيسي… أؤمن بأن هذه المهنة هي مهنة نبيلة لا تحقق الهدف المنشود منها إلا عندما تنجح في الوصول إلى أعماق الإنسان”. هذه الحوارات لا تساهم فقط في نقل الخبرات، بل تفتح آفاقًا جديدة للتعاون الفني المشترك، مما يعزز من مكانة مهرجان البحر الأحمر كحدث محوري في أجندة السينما العالمية.