في خطوة ثقافية بارزة تعزز من مكانة المملكة العربية السعودية كوجهة سياحية وتراثية عالمية، افتتحت هيئة المتاحف اليوم متحف البحر الأحمر في قلب منطقة جدة التاريخية (البلد)، وتحديداً في مبنى "باب البنط" التاريخي. جاء هذا الافتتاح بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبد العزيز، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، وصاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة ورئيس مجلس إدارة هيئة المتاحف، وسط حضور نخبة من المثقفين والإعلاميين وكبار الشخصيات.
رمزية المكان: باب البنط وتاريخ الحج والتجارة
لا يكتسب المتحف أهميته من مقتنياته فحسب، بل من موقعه الاستراتيجي في مبنى "باب البنط". يُعد هذا المبنى ذاكرة حية لمدينة جدة، حيث كان يمثل تاريخياً الميناء الجمركي ونقطة الوصول الرئيسية للحجاج القادمين بحراً من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بالإضافة إلى كونه مركزاً للتبادل التجاري الذي ربط شبه الجزيرة العربية بالقارات الثلاث. إعادة ترميم هذا المبنى وتحويله إلى متحف عالمي يأتي ضمن جهود الحفاظ على الإرث المعماري لجدة التاريخية المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ليعود المبنى للعب دوره كجسر للتواصل الحضاري.
كنوز البحر الأحمر: رحلة عبر الزمن
يضم المتحف مجموعة استثنائية تتجاوز 1000 قطعة أثرية وفنية، تم توزيعها بعناية فائقة على 23 قاعة عرض تغطي سبعة محاور رئيسية. تأخذ هذه المعروضات الزائر في رحلة زمنية توثق التاريخ الجيولوجي والبيئي والإنساني للبحر الأحمر. وتشمل المقتنيات:
- أدوات ملاحية قديمة استخدمها البحارة العرب.
- مخطوطات نادرة وخرائط تاريخية توثق طرق التجارة والحج.
- قطعاً من الخزف الصيني واللقى الأثرية التي تم انتشالها من حطام السفن الغارقة.
- أعمالاً فنية معاصرة لفنانين سعوديين وعالميين تستلهم روح البحر وتاريخه.
الأهمية الاستراتيجية والثقافية
أكد صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان في كلمته أن المتحف يمثل "منصة ثقافية شاملة" تعزز الحوار بين الحضارات. ويأتي هذا المشروع متسقاً تماماً مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 وبرنامج جودة الحياة، حيث يسعى إلى تنمية الاقتصاد الثقافي وإثراء التجربة السياحية في جدة. من المتوقع أن يلعب المتحف دوراً محورياً في جذب السياح والباحثين المهتمين بالتاريخ البحري، مما يعزز من الحراك الثقافي والاقتصادي في المنطقة، ويبرز التنوع البيئي والثقافي الفريد لساحل البحر الأحمر.
فعاليات الافتتاح وتمازج الفنون
شهد حفل الافتتاح دمجاً رائعاً بين الأصالة والمعاصرة، حيث استمتع الحضور بعرض موسيقي لفرقة "سيلك رود" العالمية، التي قدمت مقطوعات مستوحاة من التراث الموسيقي للشعوب المطلة على البحر الأحمر. كما تم تدشين المعرض المؤقت الأول بعنوان "بوابة البوابات" للفنان السعودي معاذ العوفي، مما يؤكد رسالة المتحف في كونه مساحة حية للإبداع الفني وليس مجرد مكان لعرض الآثار الصامتة.
بافتتاح هذا الصرح، تؤكد وزارة الثقافة التزامها بصون التراث الوطني المادي وغير المادي، وتقديمه للعالم بأسلوب عصري ومستدام، ليبقى البحر الأحمر شريان حياة وقصة تروى للأجيال القادمة.