في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل خارطة الطاقة في غرب أفريقيا، أعلنت الحكومة النيجيرية عن موافقتها النهائية على مشروع ضخم لإنشاء مصفاة نفط جديدة تقدر تكلفتها الاستثمارية بنحو 50 مليار دولار. وتأتي هذه الخطوة الحاسمة لتعكس توجه الدولة العضو في منظمة "أوبك" نحو تعزيز قدراتها في تكرير الخام وتقليل اعتمادها المزمن والمكلف على واردات الوقود المكرر من الخارج.
تفاصيل المشروع والشراكة الاستراتيجية
أفادت وزارة الموارد البترولية النيجيرية، في بيان رسمي صدر اليوم، أن هذا المشروع العملاق سيتم تنفيذه بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP). ويهدف هذا النموذج الاستثماري إلى ضمان كفاءة التنفيذ والتشغيل، ورفع طاقة التكرير الوطنية بشكل جذري. وأوضحت الوزارة أن المصفاة الجديدة ستقام في إحدى المناطق الصناعية الإستراتيجية التي تتمتع بقربها من مصادر الإمداد وموانئ التصدير، مما يمنحها ميزة لوجستية عالية.
سياق أزمة الطاقة في نيجيريا
لفهم أهمية هذا الإعلان، يجب النظر إلى السياق التاريخي والاقتصادي لقطاع النفط في نيجيريا. تُعد نيجيريا أكبر منتج للنفط في أفريقيا، إلا أنها عاشت لعقود مفارقة اقتصادية غريبة؛ حيث تضطر لاستيراد الغالبية العظمى من احتياجاتها من الوقود (البنزين والديزل) بسبب تهالك المصافي الحكومية القديمة وتوقفها المتكرر عن العمل. هذا الوضع أدى إلى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد وشكل ضغطاً هائلاً على العملة المحلية "النايرا"، فضلاً عن الأزمات المتكررة في توفر الوقود للمواطنين.
الأثر الاقتصادي المتوقع
من المتوقع أن يُحدث هذا المشروع، بقيمته البالغة 50 مليار دولار، تحولاً جذرياً في الاقتصاد النيجيري من خلال عدة محاور:
- تحقيق الاكتفاء الذاتي: ستمتلك المصفاة قدرة إنتاجية ضخمة تسمح بتغطية جانب كبير من احتياجات السوق المحلية، مما ينهي عصر طوابير الوقود ونقص الإمدادات.
- وقف نزيف العملة الصعبة: سيؤدي الإنتاج المحلي إلى خفض فاتورة الاستيراد التي تثقل ميزانية الدولة منذ سنوات، مما يدعم استقرار الاقتصاد الكلي.
- التحول إلى مركز إقليمي: تخطط الحكومة لتوجيه فائض الإنتاج إلى التصدير، مما سيجعل نيجيريا مركزاً رئيسياً لتكرير وتصدير المشتقات البترولية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والأسواق العالمية.
نظرة مستقبلية
يأتي هذا الإعلان متزامناً مع تحركات واسعة في قطاع الطاقة النيجيري لتعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية. ويرى الخبراء أن نجاح هذا المشروع، إلى جانب مشاريع التكرير الأخرى في البلاد، سيعيد لنيجيريا مكانتها ليس فقط كمصدر للنفط الخام، بل كقوة صناعية كبرى في مجال البتروكيماويات والطاقة المكررة، مما يعزز من أمن الطاقة القومي والإقليمي على حد سواء.