تجربة فنية ثرية في مركز “إثراء”
أعرب الفنان السعودي نواف الجبرتي عن سعادته الغامرة بالمشاركة في أمسية “الغناء بالفصحى” التي أقيمت في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، مؤكدًا أن هذه التجربة تمثل قيمة فنية خاصة وعمقًا إبداعيًا يطمح لتقديمه دائمًا. وفي المؤتمر الصحفي الذي تلا الأمسية، وصف الجبرتي الفرصة بأنها “كبيرة” بالنسبة له، مشيرًا إلى أن الجمهور، ورغم اعتياده على سماع هذا اللون الغنائي منه بشكل محدود في أعمال سابقة، تفاعل بشكل لافت مع الحفل الذي كان النصيب الأكبر فيه للأغاني الفصيحة.
جمهور الشرقية.. متذوق ومنصت
أشاد الجبرتي بجمهور المنطقة الشرقية الذي حضر الأمسية، واصفًا إياه بالجمهور “المستمتع والمنصت” الذي يمتلك ذائقة فنية عالية. وأوضح: “رأيت جمهورًا يتابع التفاصيل بدقة، من الكلمة واللحن إلى الرسالة الفنية الكامنة خلف العمل. هذا التجاوب اللافت يمنح الفنان دافعًا كبيرًا للاستمرار في تقديم أعمال ذات قيمة”. وأعرب عن أمله في أن تكون الأعمال التي قدمها قد نالت استحسان الحضور ولامست مشاعرهم.
خلفية تاريخية: القصيدة المغناة وإرث العمالقة
يأتي اهتمام فنانين مثل نواف الجبرتي بالغناء باللغة العربية الفصحى امتدادًا لإرث فني عريق في العالم العربي. فقد شكّلت القصيدة المغناة حجر الزاوية في الموسيقى العربية الكلاسيكية، حيث تغنى عمالقة الفن مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفيروز بقصائد لكبار الشعراء مثل أحمد شوقي، ونزار قباني، والأخطل الصغير. كانت هذه الأعمال تمثل قمة الإبداع الذي يجمع بين بلاغة اللغة وعمق اللحن، مما خلّدها في الذاكرة العربية. وفي العقود الأخيرة، تراجع هذا اللون الفني أمام صعود الأغنية التجارية السريعة، إلا أن مبادرات مثل أمسيات “إثراء” وجهود فنانين معاصرين تعيد إحياء هذا الفن الأصيل، لربط الجيل الجديد بجذوره الثقافية واللغوية.
أهمية الحدث وتأثيره الثقافي
لا تقتصر أهمية هذه الأمسية على كونها مجرد حفل فني، بل تعكس توجهًا ثقافيًا أوسع تتبناه المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، والتي تهدف إلى إثراء المشهد الثقافي ودعم الفنون الرفيعة. إن تقديم أعمال غنائية بالفصحى في صرح ثقافي عالمي مثل “إثراء” يساهم في تعزيز مكانة اللغة العربية وجمالياتها، ويقدم للجمهور المحلي والعالمي نموذجًا للفن العربي الأصيل. على الصعيد الإقليمي، تشجع هذه الخطوات على حراك فني يهدف إلى إعادة التوازن للمشهد الموسيقي العربي، وإبراز القيمة الفنية للكلمة واللحن في مواجهة الإيقاعات الاستهلاكية. ومن المتوقع أن تلهم تجربة الجبرتي فنانين آخرين لخوض غمار هذا التحدي الإبداعي.
أعمال جديدة ورؤية فنية
وكشف الجبرتي عن تقديمه عملًا جديدًا خلال الأمسية من كلمات الشاعر مسافر، وألحانه، وتوزيع المايسترو أمير عبد المجيد. وحول فلسفته في تلحين النص الفصيح، شدد على ضرورة فهم رؤية الشاعر أولًا. وقال: “عندما أقرأ النص، أسعى لمعرفة هدف الشاعر ومشاعره، ثم أبحث عن المقام الموسيقي المناسب الذي يترجم هذا الإحساس، مع أداء مدروس وتفاصيل موسيقية تخدم المعنى”. واختتم حديثه بالتأكيد على أن الإبداع في هذا المجال يتطلب وعيًا عميقًا بالنغم العربي وبنية اللغة، لتحقيق تجربة فنية متكاملة تحترم ذائقة المستمع وتلامس وجدانه.