في مشهد يجسد أسمى معاني الإنسانية والإيثار، سطرت منال القحطاني، الموظفة بمستشفى حوطة بني تميم وعضو تجمع الرياض الصحي الأول، قصة ملهمة بإنقاذها حياة طفلة صغيرة من موت محقق، محولةً ألم فقدان والدها إلى أمل جديد لأسرة أخرى.
من الألم إلى الأمل.. تفاصيل القصة
بدأت فصول هذه الملحمة الإنسانية عندما أتمت “القحطاني” كافة الفحوصات الطبية اللازمة وجاهزيتها التامة للتبرع بجزء من كبدها لإنقاذ حياة والدها الذي كان يعاني من مرض عضال. إلا أن مشيئة القدر كانت أسرع، حيث توفي الوالد قبل إجراء العملية الجراحية، تاركاً ابنته في حالة من الحزن العميق، ولكن بجاهزية طبية تامة للتبرع.
وفي خضم هذه الأحداث، استقبل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث حالة طارئة وحرجة لطفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، تم نقلها عبر الإخلاء الطبي الجوي من مكة المكرمة وهي تعاني من فشل كبدي حاد يهدد حياتها. ولحسن التدبير الإلهي، أظهرت النتائج الطبية تطابقاً نادراً ومذهلاً في فصيلة الدم والأنسجة بين الطفلة المريضة ومنال القحطاني.
قرار شجاع يتجاوز روابط الدم
رغم مرارة الفقد وحداثة عهدها بوفاة والدها، لم تتردد منال لحظة واحدة في اتخاذ قرار بطولي بتحويل مسار تبرعها لإنقاذ الطفلة التي لا تربطها بها أي صلة قرابة أو معرفة مسبقة. واعتبرت القحطاني أن إنقاذ النفس البشرية واجب يسمو فوق كل الروابط، محتسبة ذلك صدقة جارية عن روح والدها.
وقد أكد الفريق الطبي المشرف على الحالة نجاح عملية الزراعة بفضل الله ثم بفضل سرعة الاستجابة والتطابق الحيوي الكبير بين المتبرعة والمستقبلة، مما ساهم بشكل مباشر في استقرار الحالة الصحية للطفلة وبدء مرحلة التعافي التدريجي.
ثقافة التبرع بالأعضاء في المملكة.. سياق وطني وإنساني
تأتي مبادرة منال القحطاني لتسلط الضوء على أهمية ثقافة التبرع بالأعضاء في المملكة العربية السعودية، وهو الملف الذي يحظى باهتمام كبير من القيادة والقطاع الصحي ممثلاً في المركز السعودي لزراعة الأعضاء. وتعد المملكة من الدول الرائدة إقليمياً في هذا المجال، حيث تتوفر بنية تحتية طبية متطورة وكوادر مؤهلة لإجراء أعقد عمليات الزراعة.
ويعكس هذا العمل البطولي القيم المتأصلة في المجتمع السعودي، المستمدة من التعاليم الإسلامية التي تحث على إحياء النفس، حيث قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. كما يبرز الدور الحيوي الذي يلعبه الوعي المجتمعي في إنقاذ الأرواح، حيث يساهم كل متبرع في منح فرصة حياة جديدة لمرضى الفشل العضوي الذين يعيشون على قوائم الانتظار.
نهاية سعيدة ورسالة للمجتمع
غادرت البطلة منال القحطاني المستشفى بعد تماثلها للشفاء التام، تاركة خلفها جسداً صغيراً عاد لينبض بالحياة بفضل عطائها. ولا تزال منال تتابع حالة الطفلة بشكل يومي وكأنها قطعة منها، مقدمة بذلك نموذجاً يحتذى به في العطاء غير المشروط، ورسالة بليغة للمجتمع حول أثر التبرع بالأعضاء في صناعة المعجزات الطبية والإنسانية.
