في ظل تسارع وتيرة الحياة العصرية وما تفرضه من ضغوط، يبرز استقرار الأسرة كحجر زاوية أساسي لتماسك المجتمع. وفي هذا السياق، وجه الدكتور خالد الحليبي، مدير عام جمعية التنمية الأسرية بالأحساء، دعوة ملحة للأزواج لتبني منهجية إنسانية متزنة في إدارة الخلافات الزوجية، مشدداً في حديثه لـ ”اليوم“ على أن طريقة التعامل مع أخطاء الشريك تشكل الفارق الجوهري بين تعزيز متانة الأسرة أو دفعها نحو التصدع.
السياق المجتمعي وأهمية الإرشاد الأسري
تأتي هذه النصائح في وقت تولي فيه المملكة العربية السعودية أهمية قصوى لبرامج جودة الحياة وتعزيز التماسك الاجتماعي ضمن مستهدفات رؤية 2030. فالمجتمع السعودي، كغيره من المجتمعات، يمر بتحولات اجتماعية واقتصادية تتطلب وعياً متزايداً بآليات الحفاظ على الكيان الأسري. ولطالما كانت الأسرة هي النواة الصلبة في الثقافة المحلية، إلا أن التحديات الحديثة تستدعي تطوير أدوات التواصل بين أفرادها. ومن هنا، تكتسب مؤسسات التنمية الأسرية، مثل جمعية “أسرية الأحساء”، دوراً محورياً في تقديم الدعم والإرشاد المتخصص، ليس فقط لحل النزاعات القائمة، بل لتزويد الأزواج بالمهارات الوقائية التي تحصن علاقاتهم ضد الأزمات المستقبلية.
مفترق طرق: احتواء أم خصام؟
أوضح الدكتور الحليبي أن الشريك يجد نفسه عند وقوع خطأ ما أمام خيارين مصيريين: إما الانزلاق نحو “لغة الاتهام” والخصام الذي يستنزف رصيد المودة والاحترام، أو اللجوء إلى “الاحتواء الواعي” الذي ينمي النضج العاطفي ويزيد اللحمة بين الطرفين. وحذر من أن ردود الفعل غير المحسوبة قد تكون أشد خطراً على استقرار البيت من الخطأ نفسه، فبينما يكون الخطأ غالباً لحظياً وعابراً، فإن أثر الكلمات الجارحة وأسلوب المعالجة السلبي يمتد لسنوات طويلة في ذاكرة العلاقة، تاركاً ندوباً نفسية غائرة يصعب محوها.
أبعاد التأثير: من استقرار الأسرة إلى تماسك المجتمع
إن أهمية هذه المبادئ لا تقتصر على النطاق الأسري الضيق، بل تمتد لتشمل المجتمع بأسره. فعلى المستوى المحلي، تساهم الأسر المستقرة في تنشئة جيل يتمتع بصحة نفسية أفضل وقدرة أكبر على العطاء، مما ينعكس إيجاباً على الإنتاجية والوئام الاجتماعي. إقليمياً، تتشارك دول الخليج والمنطقة العربية في الكثير من القيم الأسرية، مما يجعل هذه الدعوات للحوار البنّاء نموذجاً يمكن الاستفادة منه لمواجهة التحديات المشتركة كارتفاع معدلات الطلاق. أما دولياً، فإن هذه المبادئ تتوافق مع أحدث نظريات علم النفس وعلاقات الأزواج التي تؤكد على أهمية التواصل التعاطفي والذكاء العاطفي كأدوات أساسية لنجاح أي علاقة إنسانية.
خريطة طريق عملية للاستقرار الأسري
لتحويل هذه المفاهيم إلى واقع ملموس، دعا الدكتور الحليبي إلى استبدال لغة الاتهامات بلغة المشاعر. فبدلاً من قول “أنت دائماً تخطئ”، التي تضع الشريك في موقف دفاعي وتغلق أبواب التفاهم، يمكن استخدام عبارة “أنا شعرت بالألم بسبب هذا الموقف”، والتي تفتح نافذة للحوار الصادق. ورسم خريطة طريق للاستقرار ترتكز على ثلاثة أركان:
- العفو: الذي يمنع تراكم الأحقاد ويطهر الذاكرة من رواسب الماضي.
- الحكمة: التي تضبط ردود الأفعال وتوجه القرارات نحو ما يصلح العلاقة.
- التقدير: الذي يمنح الشريك شعوراً بالأمان والقيمة ويعزز ثقته بنفسه.
واختتم مؤكداً أن الغفران ليس ضعفاً، بل هو قوة تمنح الزوجين فرصة للنمو المشترك، فمن يتقن فن إدارة الأخطاء اليوم، يبني رصيداً لا ينضب من الدفء والمحبة لمستقبل العلاقة.