في تصعيد جديد للهجة الأوروبية تجاه السياسات التجارية لبكين، لوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإمكانية فرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية خلال الأشهر المقبلة، وذلك في حال عدم اتخاذ الصين خطوات ملموسة لمعالجة العجز التجاري المتفاقم مع الاتحاد الأوروبي. وتأتي هذه التصريحات لتعكس تحولاً في الاستراتيجية الأوروبية التي باتت تستشعر الخطر من المنافسة غير المتكافئة، خاصة في ظل السياسات الحمائية التي تنتهجها القوى الاقتصادية الكبرى.
تحذير صريح من قلب باريس
وفي مقابلة صحفية نشرتها صحيفة "ليزيكو" الفرنسية يوم الأحد، عقب عودته من زيارة رسمية إلى الصين، وضع ماكرون النقاط على الحروف بشأن مستقبل العلاقات التجارية. وقال الرئيس الفرنسي بوضوح: "أبلغتهم بأنهم في حال لم يتحركوا فسنضطر نحن الأوروبيين، خلال الأشهر القليلة المقبلة، إلى اتخاذ إجراءات صارمة على غرار الولايات المتحدة، كفرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية". ويشير هذا التصريح إلى نفاد صبر القادة الأوروبيين تجاه الاختلالات الهيكلية في الميزان التجاري، ورغبتهم في حماية السوق الموحدة من الإغراق.
بين المطرقة الأمريكية والسندان الصيني
تأتي مخاوف ماكرون في سياق جيوسياسي واقتصادي معقد، حيث تفرض واشنطن رسومًا جمركية مرتفعة على الواردات الصينية، مما يدفع بالتدفقات التجارية الصينية الضخمة للبحث عن أسواق بديلة، وتكون أوروبا هي الوجهة الأقرب والأكثر انفتاحاً. وأوضح ماكرون أن سياسة الحماية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية، بما في ذلك الرسوم التي خُفضت مؤخراً من 57% إلى 47%، تفاقم المشكلات الأوروبية عبر "إعادة توجيه التدفقات التجارية الصينية بشكل كبير إلى أسواقنا".
وأضاف الرئيس الفرنسي واصفاً دقة المرحلة: "نحن عالقون اليوم بين الطرفين، وهذه مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الصناعة الأوروبية". ويؤكد هذا الوصف المخاطر الوجودية التي تهدد النموذج الصناعي الأوروبي، الذي يعتمد تاريخياً على الجودة والابتكار في مجالات مثل السيارات وآلات التشغيل، والذي يواجه اليوم هجوماً من المنتجات الصينية المدعومة حكومياً.
الاستثمار المباشر كحل بديل
ولم يكتفِ ماكرون بالتهديد، بل طرح حلاً عملياً لتجنب الحرب التجارية، يتمثل في تشجيع الشركات الصينية على الاستثمار المباشر داخل القارة العجوز بدلاً من الاكتفاء بالتصدير إليها. وقال لصحيفة "ليزيكو": "لا يمكننا الاستيراد باستمرار، على الشركات الصينية أن تأتي إلى أوروبا".
وحدد الرئيس الفرنسي نحو 10 قطاعات استراتيجية وحيوية لمستقبل الاقتصاد الأخضر والرقمي، تشمل:
- صناعة البطاريات وتكرير الليثيوم.
- طاقة الرياح والطاقة الكهروضوئية.
- المركبات الكهربائية ومضخات الحرارة.
- الإلكترونيات الاستهلاكية والروبوتات الصناعية.
واختتم ماكرون حديثه بوضع ضوابط لهذه الاستثمارات، مشدداً على أنها "ينبغي ألا تكون استغلالية، أي ألا تهدف إلى فرض الهيمنة وإحداث التبعية"، بل يجب أن تساهم في خلق فرص عمل ونقل التكنولوجيا، بما يضمن السيادة الاقتصادية لأوروبا.