أكد الكرملين أن التطورات الميدانية المتسارعة والنجاحات التي حققها الجيش الروسي مؤخراً في الجبهة الشرقية لأوكرانيا قد عززت بشكل كبير من موقف موسكو التفاوضي في المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة لإنهاء الحرب. وتأتي هذه التصريحات في وقت حساس تشهد فيه الساحة الدولية حراكاً دبلوماسياً مكثفاً لمحاولة وضع حد للنزاع الذي يعتبر الأخطر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
المكاسب الميدانية وتأثيرها الدبلوماسي
شهد الشهر الماضي تسارعاً ملحوظاً في وتيرة التقدم الروسي، خاصة في مناطق شرق أوكرانيا، وهو ما استثمرته موسكو سياسياً. وفي هذا السياق، صرح يوري أوشاكوف، المستشار السياسي للكرملين والمشارك في المحادثات الروسية الأمريكية، بأن "نجاحات الجيش الروسي في ساحة المعركة خلال الأسابيع الأخيرة أثرت بشكل مباشر على طبيعة المفاوضات وتقدمها".
وأضاف أوشاكوف موضحاً التأثير الاستراتيجي لهذه المكاسب: "لقد أسهم جنودنا الروس، من خلال إنجازاتهم العسكرية، في دفع شركائنا الأجانب لإعادة تقييم مسارات التسوية السلمية لتصبح أكثر واقعية وملاءمة للمطالب الروسية". ويشير هذا التصريح إلى استراتيجية روسية تعتمد على فرض الأمر الواقع العسكري لتحسين شروط التفاوض.
كواليس المحادثات مع المبعوثين الأمريكيين
على الصعيد الدبلوماسي، استمرت المباحثات بين الجانب الروسي ومبعوثي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر، حتى وقت مبكر من يوم الأربعاء. ورغم التفاؤل الذي أبداه البيت الأبيض سابقاً بشأن خطته للسلام، إلا أن الكرملين أشار إلى وجود عقبات جوهرية، حيث اعتبرت موسكو بعض البنود في النسخة المعدلة من الخطة الأمريكية "غير مقبولة".
وأكد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، التزام روسيا بالمسار الدبلوماسي قائلاً: "ما زلنا مستعدين لعقد لقاءات بأي عدد من المرات اللازمة للتوصل إلى تسوية سلمية"، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يرفض الخطة بالمجمل، بل يتحفظ على نقاط محددة تمس الأمن القومي الروسي.
عقدة الناتو والأراضي المتنازع عليها
تتمحور الخلافات الجوهرية حول نقطتين رئيسيتين تشكلان جوهر الصراع منذ اندلاعه في فبراير 2022. النقطة الأولى تتعلق بمسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي مسألة تعتبرها موسكو "خطاً أحمر" وتهديداً وجودياً لأمنها، وتصر على حيادية كييف كشرط أساسي لأي اتفاق.
أما النقطة الثانية فتتعلق بالاعتراف بالواقع الإقليمي الجديد؛ حيث يصر الكرملين على عدم التوصل إلى أي "حل وسط" بشأن التنازل عن الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية وتعتبرها جزءاً من سيادتها. وقد حذر بوتين بشكل صريح من أن موسكو مستعدة لمواصلة القتال للسيطرة الكاملة على ما تبقى من الأراضي التي تطالب بها إذا لم تبدِ كييف والغرب مرونة في هذا الملف.
ويعكس هذا الموقف المتشدد قناعة روسية بأن الوقت والظروف الميدانية تعمل لصالحها، مما يجعل التوصل إلى تسوية سريعة أمراً معقداً رغم الرغبة المعلنة من الأطراف الدولية في إنهاء النزيف العسكري والاقتصادي المستمر.