أكد الكرملين أن ملف طموح أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) شكل محوراً أساسياً وشائكاً خلال المحادثات الأخيرة التي جرت في موسكو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف. ويأتي هذا الإعلان ليسلط الضوء على عمق الفجوة بين موسكو وكييف وحلفائها الغربيين، حيث تعتبر روسيا توسع الحلف شرقاً تهديداً وجودياً لأمنها القومي.
تفاصيل المباحثات الروسية الأمريكية
وفي إيجاز صحفي، أوضح يوري أوشاكوف، المستشار الدبلوماسي للرئاسة الروسية، أن مسألة عضوية أوكرانيا في الحلف كانت حاضرة بقوة على طاولة النقاش، واصفاً إياها بأنها "إحدى المسائل الأساسية". ورغم عدم خوضه في تفاصيل دقيقة حول ما دار خلف الأبواب المغلقة، إلا أن التصريحات تشير إلى أن موسكو متمسكة برفضها القاطع لأي سيناريو يتضمن انضمام كييف للمظلة الأطلسية، وهو الشرط الذي طالما كررته القيادة الروسية كأحد أسباب اندلاع الصراع.
السياق التاريخي والجذور الأمنية للأزمة
لفهم الإصرار الروسي، يجب العودة إلى الجذور التاريخية للأزمة؛ فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي، نظرت موسكو بعين الريبة إلى موجات توسع الناتو المتتالية نحو حدودها. وتعتبر العقيدة العسكرية الروسية أن تحول أوكرانيا إلى دولة عضو في الحلف يعني فقدان روسيا لعمقها الاستراتيجي ووصول البنية التحتية العسكرية الغربية إلى مسافة دقائق من مراكز صنع القرار في موسكو. وقد كانت مطالب روسيا بضمانات أمنية مكتوبة تمنع هذا الانضمام في ديسمبر 2021 هي المحاولة الدبلوماسية الأخيرة قبل بدء العمليات العسكرية في فبراير 2022.
الموقف الغربي والبدائل المطروحة
في المقابل، تباينت المواقف الغربية حيال هذه المعضلة. فبينما ترى كييف أن العضوية هي الضمانة الوحيدة لبقائها، استبعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في تصريحات سابقة انضماماً قريباً لأوكرانيا، مما يعكس توجهاً أمريكياً جديداً قد يميل نحو الواقعية السياسية لإنهاء الحرب. ومن جانبه، أشار الأمين العام للناتو مارك روته إلى البحث عن صيغ بديلة، قائلاً: "نناقش كيف يمكن لأوكرانيا، في غياب العضوية، أن تضمن حمايتها بنفسها ومع دعم دول أخرى"، مما يلمح إلى إمكانية طرح نموذج "الضمانات الأمنية" كبديل عن العضوية الكاملة.
تأثير الواقع الميداني على المسار التفاوضي
لا يمكن فصل المسار الدبلوماسي عن التطورات العسكرية على الأرض. فقد أشار الكرملين بوضوح إلى أن النجاحات الميدانية الأخيرة للجيش الروسي في شرق أوكرانيا قد عززت من موقفه التفاوضي. وأكد أوشاكوف أن "إنجازات الجنود الروس" دفعت الشركاء الأجانب إلى تبني تقييمات أكثر واقعية وملاءمة لمسارات التسوية السلمية. ويشير المحللون إلى أن سيطرة روسيا المتزايدة على الأراضي تمنحها أوراق ضغط قوية، تجعل من الصعب على الغرب فرض شروط مسبقة، وتدفع باتجاه تسوية قد تتطلب تنازلات مؤلمة من الجانب الأوكراني مقابل وقف إطلاق النار.
التداعيات الإقليمية والدولية المتوقعة
إن نتيجة هذه المفاوضات لن ترسم مستقبل أوكرانيا فحسب، بل ستعيد تشكيل الهيكل الأمني لأوروبا بالكامل. فالتوصل إلى اتفاق يستبعد عضوية أوكرانيا في الناتو قد يؤسس لنظام أمني جديد يراعي المخاوف الروسية، ولكنه في الوقت نفسه قد يثير قلق دول أوروبا الشرقية الأخرى. أما فشل المحادثات واستمرار الحرب، فيحمل مخاطر تصعيد إقليمي قد يجر أطرافاً دولية أخرى للصراع، مما يجعل من الحوار الحالي بين موسكو وواشنطن نقطة مفصلية في تاريخ العلاقات الدولية الحديثة.
