في خطوة استراتيجية تعكس التزام المملكة العربية السعودية بتطوير قطاع التعدين كركيزة ثالثة للصناعة الوطنية، دشّن رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية “كاكست”، الدكتور منير بن محمود الدسوقي، “مختبر المعرفة المتقدمة للموارد المعدنية”. يهدف هذا المختبر إلى إحداث نقلة نوعية في آليات الابتكار الجيولوجي ودعم عمليات الاستكشاف المتقدمة، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وجاء هذا الإعلان الهام خلال فعاليات الملتقى الدولي التاسع عشر لبرنامج الغلاف الصخري، الذي نظمته “كاكست” بالتعاون مع البرنامج الدولي للغلاف الصخري (ILP) التابع للأمم المتحدة. وشهد الحفل حضور معالي نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين، المهندس خالد بن صالح المديفر، إلى جانب نخبة من العلماء والباحثين المتخصصين في علوم الأرض من مختلف أنحاء العالم.
تعزيز الاقتصاد الوطني واستغلال الثروات الكامنة
يأتي تدشين هذا المختبر في وقت تشهد فيه المملكة حراكاً اقتصادياً غير مسبوق يهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط. وتُعد الثروة المعدنية في المملكة، التي تُقدر قيمتها بنحو 5 تريليونات ريال (حوالي 1.3 تريليون دولار)، عنصراً حاسماً في هذه المعادلة الاقتصادية. سيعمل المختبر الجديد كذراع تقني وبحثي لتمكين الشركات والجهات المعنية من الوصول إلى هذه الثروات بدقة وكفاءة أعلى، مما يعزز من جاذبية القطاع للاستثمارات الأجنبية والمحلية.
تقنيات حديثة لاستكشاف الدرع العربي
يركز المختبر بشكل أساسي على توطين تقنيات النمذجة الجيوفيزيائية المتقدمة، وهي تقنيات ضرورية لرفع كفاءة التنقيب عن المعادن وتقليل المخاطر المالية المرتبطة بعمليات الحفر العشوائي. ومن خلال تمكين فهم أكثر دقة لباطن الأرض، يسهم المختبر في دعم مبادرات المسح الجيولوجي الطموحة التي أطلقتها المملكة، والتي غطت حتى الآن أكثر من 700 ألف كيلومتر مربع من منطقة الدرع العربي الغنية بالمعادن النفيسة ومعادن الأساس.
وفي هذا السياق، أكد المهندس خالد المديفر أن المملكة وضعت الجيولوجيا في صميم استراتيجيتها التعدينية، مشيراً إلى أن البيانات الدقيقة هي المفتاح لتحويل المملكة إلى شريك موثوق في سلاسل الإمداد المعدنية العالمية، خاصة في ظل التسارع العالمي في الطلب على المعادن.
التعدين والتحول نحو الطاقة النظيفة
من جانبه، أوضح النائب الأول لرئيس “كاكست” للبحث والتطوير، الدكتور طلال بن أحمد السديري، الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للمملكة باعتبارها تمتلك أحد أهم الأقاليم المعدنية عالمياً. وأشار إلى أن التحول العالمي نحو تقنيات الطاقة النظيفة، مثل السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، يرفع الطلب بشكل هائل على معادن محددة مثل النحاس والليثيوم والعناصر الأرضية النادرة.
وأضاف السديري أن الاستثمار في علوم الغلاف الصخري لم يعد ترفاً علمياً، بل ضرورة استراتيجية لضمان أمن الموارد. وتقود “كاكست” هذا التوجه عبر منظومة الابتكار العلمي، بصفتها مختبراً وطنياً وحاضنة لواحة الابتكار، لربط مراكز التميز وتبادل الخبرات في مجالات الذكاء الاصطناعي والنمذجة العددية.
منصة علمية لتبادل الخبرات
تضمن الملتقى الدولي جلسات حوارية معمقة ناقشت طبيعة الغلاف الصخري للمنطقة العربية، والنظام المعدني للدرع العربي والنوبي. كما تم التطرق إلى أهمية التراث الجيولوجي ودوره في دعم السياحة المستدامة، واستعراض أحدث التطورات في تقنيات الاستشعار عن بُعد والذكاء الاصطناعي في استكشاف الموارد الهيدروكربونية والمعدنية، مما يؤكد دور المملكة الريادي في قيادة البحث العلمي في المنطقة.
