شهدت محافظة جدة خلال الساعات الماضية حدثاً جوياً استثنائياً، حيث كشفت أمانة محافظة جدة والمركز الوطني للأرصاد عن تسجيل معدلات هطول مطري غير مسبوقة تجاوزت المعدلات السنوية المعتادة بفارق كبير، مما استدعى استنفاراً كاملاً لكافة الأجهزة الخدمية والميدانية في المحافظة.
أرقام قياسية في وقت قياسي
وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن محطات الرصد، تصدرت مدينة جدة قائمة مدن المملكة في كميات الهطول المطري، حيث سجلت محطة “ملعب الجوهرة” رقماً قياسياً بلغ 135 ملم خلال خمس ساعات فقط. وتعتبر هذه الكمية مؤشراً مناخياً هاماً، إذ تعادل في بعض المناطق الصحراوية معدلات هطول عام كامل، مما يفسر كثافة المياه التي تدفقت في الشوارع والميادين.
ولم تقتصر الغزارة على منطقة واحدة، حيث سجلت محطة حي البساتين 81 ملم، بينما سجلت محطة مطار الملك عبدالعزيز الدولي 51 ملم، مما يؤكد شمولية الحالة الجوية واتساع نطاق تأثيرها الجغرافي على مختلف أحياء المحافظة ومرافقها الحيوية.
السياق الجغرافي والمناخي لجدة
تكتسب هذه الحالة المطرية أهمية خاصة نظراً للطبيعة الجغرافية لمدينة جدة الساحلية. تاريخياً، تواجه جدة تحديات موسمية مع الحالات المطرية الغزيرة، أو ما يعرف بـ “كسير” البحر الأحمر، حيث تلتقي التيارات الهوائية الرطبة القادمة من البحر مع الكتل الهوائية الباردة، مما ينتج عنه سحب ركامية ضخمة. وتأتي هذه الأمطار الأخيرة لتؤكد التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة، والتي تشير إلى تزايد وتيرة الحالات المطرية المتطرفة (Extreme Weather Events) في منطقة شبه الجزيرة العربية، مما يضع تحديات جديدة أمام المخططين الحضريين.
استجابة ميدانية واسعة النطاق
في مواجهة هذا التحدي، أعلنت أمانة جدة عن تفعيل خطط الطوارئ القصوى. حيث تم نشر قوة بشرية قوامها 7,160 فرداً، مدعومين بأسطول ضخم يضم 1,621 معدة وآلية متنوعة. وتوزعت هذه الفرق على نطاق 11 بلدية فرعية و15 مركز إسناد، لضمان سرعة الاستجابة للبلاغات.
وتركزت الجهود الميدانية على:
- سحب تجمعات المياه من المحاور الرئيسية لضمان انسيابية الحركة المرورية.
- التأكد من عمل شبكات تصريف مياه الأمطار بكفاءة قصوى.
- نشر المضخات المتنقلة في النقاط الحرجة التي لا تغطيها الشبكة المركزية.
اختبار البنية التحتية والأثر التنموي
تعد هذه الحالة المطرية اختباراً حقيقياً لمشاريع البنية التحتية التي يجري تنفيذها ضمن “برنامج تصريف مياه الأمطار”. وأشارت التقارير الأولية إلى أن المنظومة الحالية، بالإضافة إلى القنوات ومحطات الرفع الجديدة، ساهمت بشكل فعال في استيعاب كميات كبيرة من المياه، مما حد من الآثار السلبية مقارنة بسنوات سابقة. ويعكس هذا الأداء أهمية الاستثمار الحكومي المستمر في مشاريع البنية التحتية كجزء من أهداف رؤية المملكة 2030 لتحسين جودة الحياة ورفع كفاءة المدن السعودية في مواجهة الكوارث الطبيعية.
توصيات وتحذيرات
وجددت الأمانة دعوتها للسكان بضرورة توخي الحذر، والابتعاد عن مواقع تجمعات المياه ومصادر التيار الكهربائي، داعية الجميع للتعاون والإبلاغ عن أي حالات طارئة عبر تطبيق “بلدي” أو الاتصال بمركز البلاغات الموحد (940) لضمان سلامة الأرواح والممتلكات.


