تتجه الأنظار الاقتصادية حول العالم صوب العاصمة اليابانية طوكيو، حيث كشفت مصادر حكومية مطلعة، اليوم الخميس، عن توجه قوي لدى بنك اليابان (البنك المركزي) لرفع أسعار الفائدة خلال شهر ديسمبر الجاري. وتأتي هذه الخطوة لتشكل نقطة تحول مفصلية في السياسة النقدية لثالث أكبر اقتصاد في العالم، مع توقعات بزيادة قدرها 25 نقطة أساس.
تفاصيل القرار المرتقب وتوجهات المركزي
أفادت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" بأن البنك المركزي الياباني بات مستعداً للمضي قدماً في خطته لتشديد السياسة النقدية، حيث من المرجح رفع سعر الفائدة الرئيسي من مستواه الحالي البالغ 0.5% ليصل إلى 0.75%. وتتماشى هذه التسريبات مع النبرة المتشددة التي أظهرها محافظ البنك، كازو أويدا، في خطابه الأخير يوم الإثنين الماضي، مما يعزز فرضية أن اليابان تطوي صفحة السياسات النقدية المتساهلة للغاية.
نهاية حقبة "الأموال الرخيصة" والسياق التاريخي
لفهم أهمية هذا الحدث، يجب النظر إلى السياق التاريخي للاقتصاد الياباني. فبعد عقود من محاربة الانكماش والركود عبر اعتماد أسعار فائدة سلبية وصفرية، بدأت اليابان منذ العام الماضي في تغيير مسارها تدريجياً. كانت هذه السياسات السابقة تسمح للمستثمرين حول العالم بالاقتراض بالين الياباني بتكلفة شبه معدومة (ما يعرف بتجارة الفائدة أو Carry Trade) واستثمار تلك الأموال في أصول أجنبية ذات عوائد مرتفعة مثل السندات والأسهم الأمريكية. والآن، مع ارتفاع تكلفة الاقتراض في اليابان، يواجه هذا النظام المالي العالمي ضغوطاً قد تؤدي إلى تسييل تلك الاستثمارات لسداد الديون.
المخاوف من عودة رؤوس الأموال وتأثيرها على السندات
تُعد اليابان واحدة من أكبر الدائنين في العالم، وقد تجاوزت الصين مؤخراً لتصبح أكبر حائز أجنبي لسندات الخزانة الأمريكية. ويخشى الخبراء والمستثمرون من أن يؤدي ارتفاع عوائد السندات الحكومية اليابانية المحلية إلى إغراء رؤوس الأموال اليابانية بالعودة إلى "الوطن"، مما يعني بيع الأصول الأجنبية (مثل السندات الأمريكية). هذا السيناريو قد يؤدي إلى تفاقم التقلبات في أسواق الديون السيادية العالمية، وهو ما بدأ يظهر بالفعل، حيث سجلت عوائد سندات الخزانة الألمانية لأجل 10 سنوات ارتفاعاً بنسبة 0.06 نقطة مئوية، بينما قفزت عوائد نظيرتها الأمريكية بنسبة 0.08 نقطة مئوية خلال التعاملات اليومية.
تحذيرات من تأثيرات تفوق قرارات الفيدرالي
وفي تعليق يعكس حجم المخاوف، قال مانيش كابرا، استراتيجي الأسهم الأمريكية في بنك "سوسيتيه جنرال": "إن أي خطوة متشددة من بنك اليابان تُشكل تهديداً أكبر لسوق الأسهم الأمريكية مقارنة بما قد يصدر عن الاحتياطي الفيدرالي أو السياسات الداخلية الأمريكية". ويعود ذلك إلى احتمالية انتقال عدوى ارتفاع العوائد إلى سندات الخزانة الأمريكية، مما يضغط على تقييمات الأسهم.
ورغم هذه المخاوف، يرى فريق آخر من المحللين أن تأثير رفع الفائدة قد يكون محدوداً، خاصة مع تراجع قيمة الين في الأشهر الأخيرة، مما قد يبقي السندات الأجنبية جذابة للمستثمر الياباني حتى مع ارتفاع تكلفة التحوط، إلا أن حالة الترقب والحذر تظل هي السائدة في الأسواق المالية العالمية.