في أجواء إيمانية مفعمة بالخشوع والسكينة، ألقى فضيلة خطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور بندر بن عبد العزيز بليلة، خطبة الجمعة التي ركز فيها على جوهر العلاقة بين العبد وربه، موصياً جموع المصلين والمعتمرين بتقوى الله عز وجل، والمسارعة إلى طلب عفوه ورضاه. وأكد فضيلته أن الله سبحانه وتعالى، برحمته الواسعة، لا يرد من دعاه بصدق ولا يخيب من رجاه بإخلاص، فاتحاً أبواب الأمل أمام المذنبين للعودة إلى الطريق القويم.
حكمة الابتلاء وفلسفة الخطأ البشري
وتناول فضيلته في خطبته الطبيعة البشرية التي جبل الله النفوس عليها، موضحاً أن الله خلق النفس وميلها للرغبات والضعف أمام الشهوات لحكمة بالغة. وأشار إلى أن وقوع العبد في الخطأ ليس مبرراً لليأس، بل هو سبب لظهور صفات الجلال والجمال لله تعالى، والمتمثلة في عفوه ومغفرته وتجاوزه عن السيئات. فمن خلال هذه الابتلايات والزلات، يظهر العباد الذين يخشون ربهم بالغيب ويسارعون للتوبة، مصداقاً لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
أهمية منبر المسجد الحرام وتأثيره العالمي
وتكتسب خطبة الجمعة من المسجد الحرام أهمية قصوى على الصعيدين الإسلامي والعالمي؛ حيث يعد المنبر المكي صوتاً للوسطية والتوجيه الروحي لملايين المسلمين حول العالم. ويحرص القائمون على شؤون الحرمين الشريفين على ترجمة هذه الخطب لعدة لغات عالمية، لضمان وصول الرسالة السامية إلى كافة أقطار الأرض، مما يعزز من قيم التسامح والعودة إلى الله في نفوس المسلمين، ويؤكد على الدور الريادي للمملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين ونشر العلم الشرعي المؤصل.
فضل الاستغفار ومحو السيئات
وشدد الدكتور بندر بليلة على ضرورة ملازمة الاستغفار والتضرع، معتبراً إياها من أجلّ العبادات وأحبها إلى الله. وأوضح أن الله سبحانه، لعلمه بضعف النفس البشرية، هيأ لها أسباباً كثيرة لمحو الذنوب، أيسرها وأعظمها اتباع السيئة بالحسنة. وأكد أن حسنة التوحيد والاستغفار كفيلة بمحو الخطايا مهما تعاظمت، حتى لو بلغت ذنوب العبد عنان السماء، فمغفرة الله أوسع ورحمته أشمل.
دعوة لتجديد العهد مع الله
وفي ختام خطبته، وجه خطيب المسجد الحرام دعوة صادقة للمحاسبة النفس وتجديد العهد مع الله، مؤكداً أن الحاجة إلى الاستغفار هي حاجة دائمة ومستمرة لا تنفك عن العبد في ليله ونهاره. إن العودة إلى الله وطلب عفوه هو السبيل الوحيد لطمأنينة القلب وانشراح الصدر، وهو الحصن الحصين الذي يحمي المسلم من قنوط النفس ووساوس الشيطان، داعياً الله أن يمن على الجميع بتوبة نصوح لا ضلال بعدها.