شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا في الأسواق العالمية، لتحوم بالقرب من أعلى مستوى سجلته خلال أكثر من أسبوع، في جلسة تداول عكست تفاؤل المستثمرين المتزايد بشأن مستقبل السياسة النقدية في الولايات المتحدة. ويأتي هذا الصعود مدفوعًا بشكل أساسي بالبيانات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة التي عززت التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) قد يتجه نحو خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، وتحديدًا في شهر ديسمبر.
وفي تفاصيل التداولات، ارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.8% ليصل إلى 2041.42 دولارًا للأوقية (الأونصة)، بعد أن لامس في وقت سابق من الجلسة أعلى مستوياته منذ 14 نوفمبر. كما شهدت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر ارتفاعًا بنسبة 0.4%، مسجلةً 2041.80 دولارًا للأوقية.
السياق الاقتصادي وتأثير سياسات الفيدرالي
يعتبر الذهب أصلًا استثماريًا شديد الحساسية لأسعار الفائدة. تاريخيًا، توجد علاقة عكسية بين أسعار الفائدة وقيمة الذهب؛ فعندما ترتفع أسعار الفائدة، يزداد العائد على الأصول التي تدر فائدة مثل السندات الحكومية، مما يقلل من جاذبية الذهب الذي لا يدر عائدًا. وعلى العكس، عندما تتجه التوقعات نحو خفض أسعار الفائدة، ينخفض ما يُعرف بـ “تكلفة الفرصة البديلة” للاحتفاظ بالذهب، مما يجعله أكثر جاذبية للمستثمرين كأداة للتحوط ومخزن للقيمة.
البيانات الاقتصادية الأخيرة الصادرة من الولايات المتحدة، والتي قد تشير إلى تباطؤ في سوق العمل أو تراجع في معدلات التضخم، تُفسَّر من قبل الأسواق على أنها إشارة إلى أن الاقتصاد قد لا يحتاج إلى سياسة نقدية متشددة، مما يفتح الباب أمام الفيدرالي الأمريكي لتخفيف سياسته وبدء دورة من خفض الفائدة لدعم النمو.
الأهمية العالمية والمحلية لارتفاع الذهب
على الصعيد الدولي، يؤثر ارتفاع أسعار الذهب على قرارات البنوك المركزية حول العالم، التي تحتفظ باحتياطيات ضخمة من المعدن الأصفر كجزء من أصولها. كما أنه يؤثر على المستثمرين الكبار وصناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) التي تتبع الذهب. إن ضعف الدولار الأمريكي، الذي غالبًا ما يصاحب توقعات خفض الفائدة، يجعل الذهب أرخص ثمنًا لحاملي العملات الأخرى، مما يزيد من الطلب العالمي عليه.
أما على المستوى المحلي والإقليمي، خاصة في مناطق مثل الشرق الأوسط، فإن لأسعار الذهب تأثيرًا مباشرًا على المستهلكين والمستثمرين الأفراد. يعتبر الذهب في هذه المناطق استثمارًا شائعًا ومكونًا ثقافيًا مهمًا. ويؤدي ارتفاع الأسعار العالمية إلى زيادة تكلفة شراء المشغولات الذهبية والهدايا، ولكنه في الوقت نفسه يعزز قيمة المدخرات والاستثمارات القائمة في السبائك والعملات الذهبية.
أداء المعادن النفيسة الأخرى
لم يقتصر التأثير الإيجابي على الذهب فقط، بل امتد ليشمل المعادن النفيسة الأخرى. فقد شهدت الفضة ارتفاعًا قويًا في المعاملات الفورية بنسبة 2.2% لتصل إلى 25.52 دولارًا للأوقية. كما صعد البلاتين بنسبة 0.8% مسجلًا 956.20 دولارًا، بينما زاد البلاديوم بنسبة 0.6% ليصل إلى 1045.76 دولارًا. وتستفيد هذه المعادن، التي لها استخدامات صناعية واسعة إلى جانب دورها كأصول استثمارية، من توقعات تحسن الأوضاع الاقتصادية التي قد تنتج عن سياسة نقدية أكثر تساهلاً.