شهدت أسعار الذهب انخفاضًا ملحوظًا اليوم، متراجعة عن أعلى مستوياتها التي سجلتها خلال الأسبوعين الماضيين. يأتي هذا التراجع في وقت يركز فيه المستثمرون أنظارهم على السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي)، ويقيمون عن كثب احتمالية خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام، ربما في ديسمبر، وسط تصريحات وبيانات اقتصادية متباينة.
في تفاصيل التداولات، انخفض سعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.2% ليصل إلى 2357.29 دولارًا للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 16:01 بتوقيت جرينتش. كما تراجعت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة مماثلة بلغت 0.2% لتستقر عند 2354.30 دولارًا للأوقية. ولم تكن المعادن النفيسة الأخرى بمنأى عن هذه التحركات، حيث انخفضت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.3% إلى 31.75 دولارًا للأوقية، بينما شهد البلاتين ارتفاعًا بنسبة 1% مسجلاً 1064.72 دولارًا، وصعد البلاديوم بنسبة 0.5% ليصل إلى 930.40 دولارًا.
السياق العام: العلاقة العكسية بين الذهب وأسعار الفائدة
تاريخيًا، يرتبط الذهب بعلاقة عكسية قوية مع أسعار الفائدة والدولار الأمريكي. فعندما يقوم البنك المركزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، يزداد العائد على الأصول التي تدر فائدة مثل السندات الحكومية، مما يقلل من جاذبية الذهب الذي لا يدر أي عائد. هذا ما يُعرف بـ “تكلفة الفرصة البديلة” لحيازة المعدن الأصفر. كما أن رفع الفائدة يؤدي غالبًا إلى تقوية الدولار، وهو ما يجعل الذهب المقوم بالعملة الأمريكية أكثر تكلفة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى، مما يقلل من الطلب العالمي.
خلفية تاريخية: من التشديد النقدي إلى ترقب التيسير
جاءت هذه المرحلة من ترقب الأسواق بعد فترة طويلة من التشديد النقدي القوي الذي بدأه مجلس الاحتياطي الاتحادي لمكافحة معدلات التضخم المرتفعة التي أعقبت جائحة كوفيد-19. وقد أدت سلسلة رفع الفائدة المتتالية إلى وصولها لأعلى مستوياتها منذ عقود، وهو ما شكل ضغطًا على أسعار الذهب. الآن، ومع ظهور بعض علامات التباطؤ في الاقتصاد الأمريكي وتراجع التضخم عن ذروته، بدأت الأسواق تتوقع تحولًا في السياسة النقدية نحو التيسير وخفض الفائدة لتحفيز النمو، وهو سيناريو إيجابي للذهب على المدى الطويل.
أهمية الحدث وتأثيره المتوقع
تكمن أهمية قرارات الفائدة الأمريكية في تأثيرها الواسع الذي يتجاوز حدود الولايات المتحدة. فعلى الصعيد الدولي، يؤثر أي تغيير في السياسة النقدية الأمريكية على تدفقات رأس المال العالمية وأسعار الصرف. إن خفض الفائدة المتوقع قد يضعف الدولار، مما يعزز الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية حول العالم التي تسعى لتنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار، وكذلك من المستثمرين الأفراد في أسواق رئيسية مثل الصين والهند. أما على الصعيد الإقليمي والمحلي، فينظر إلى الذهب كمخزن آمن للقيمة وأداة تحوط ضد التضخم وعدم اليقين الاقتصادي، وأي توقعات إيجابية لأسعاره قد تزيد من إقبال المستثمرين المحليين عليه.
