أعلن الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، السيد جاسم محمد البديوي، عن خطوة اقتصادية استراتيجية جديدة، مؤكداً أنه من المتوقع قريباً توقيع اتفاقيات تجارة حرة بين دول المجلس وكل من كوريا الجنوبية، وباكستان، ونيوزيلندا. جاء هذا التصريح الهام خلال جلسة حوارية إعلامية عُقدت على هامش أعمال القمة الخليجية السادسة والأربعين في مملكة البحرين، والتي تسلط الضوء على التوجهات المستقبلية للمجلس.
وأوضح البديوي أن الأجندة الاقتصادية للقمة ترتكز على مسارين أساسيين: الأول هو تعميق التكامل والعمل الخليجي المشترك، والثاني هو توسيع شبكة العلاقات التجارية والاستراتيجية لدول المجلس مع الشركاء الدوليين. وفي هذا السياق، تبرز مشاريع الربط اللوجستي، مثل مشروع السكك الحديدية الخليجية، والاندماج الرقمي بين الدول الأعضاء، كأولويات قصوى لتعزيز البنية التحتية الاقتصادية المشتركة.
خلفية تاريخية وسياق استراتيجي
يأتي هذا التوجه نحو إبرام اتفاقيات تجارة حرة جديدة استكمالاً لسياسة اقتصادية طويلة الأمد يتبعها مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه عام 1981. يهدف المجلس، الذي يضم المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت، والبحرين، وسلطنة عمان، إلى تحقيق التكامل الاقتصادي الكامل، والذي بدأ بإقامة منطقة تجارة حرة، ثم الاتحاد الجمركي عام 2003، وصولاً إلى السوق الخليجية المشتركة عام 2008. وتعد اتفاقيات التجارة الحرة مع التكتلات والدول الأخرى أداة رئيسية لتنويع اقتصادات دول المجلس بعيداً عن الاعتماد على النفط، وفتح أسواق جديدة لصادراتها غير النفطية، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
أهمية الاتفاقيات وتأثيرها المتوقع
إن توقيع اتفاقيات مع دول مثل كوريا الجنوبية وباكستان ونيوزيلندا يحمل أبعاداً اقتصادية وجيوسياسية هامة:
- على المستوى الإقليمي (الخليجي): ستساهم هذه الاتفاقيات في تعزيز مكانة دول المجلس ككتلة اقتصادية موحدة وقوية على الساحة العالمية. كما ستدعم جهود التنويع الاقتصادي من خلال تسهيل نفاذ المنتجات الخليجية (مثل البتروكيماويات والألمنيوم) إلى أسواق جديدة، وتوفير واردات بأسعار تنافسية، مما يعود بالنفع على المستهلكين والشركات الخليجية.
- على المستوى الدولي: تمثل هذه الخطوة رسالة واضحة بأن دول الخليج تسعى لتنويع شركائها التجاريين شرقاً وغرباً. فالاتفاق مع كوريا الجنوبية، وهي قوة تكنولوجية وصناعية كبرى، سيفتح آفاقاً للتعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وصناعة السيارات والإلكترونيات مقابل ضمان أمن إمدادات الطاقة لكوريا. أما الاتفاق مع باكستان، فيعزز العلاقات مع شريك استراتيجي مهم في جنوب آسيا، ويفتح سوقاً استهلاكياً ضخماً أمام المنتجات الخليجية. بينما يضمن الاتفاق مع نيوزيلندا تعزيز الأمن الغذائي لدول المجلس من خلال تسهيل استيراد المنتجات الزراعية والغذائية عالية الجودة.
وبالتالي، فإن هذه الاتفاقيات المرتقبة لا تمثل مجرد معاملات تجارية، بل هي جزء من رؤية استراتيجية أوسع تهدف إلى ترسيخ دور مجلس التعاون الخليجي كمركز تجاري ولوجستي عالمي، وتعزيز استقراره الاقتصادي ونموه المستدام على المدى الطويل.