أظهرت بيانات اقتصادية حديثة استمرار معاناة قطاع التصنيع في فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، حيث سجل انكماشًا للشهر الثالث على التوالي في نوفمبر الماضي. فقد تراجع مؤشر مديري المشتريات (PMI) لقطاع التصنيع، الذي تعده “ستاندرد آند بورز غلوبال” بالتعاون مع بنك هامبورغ التجاري، إلى 47.8 نقطة، منخفضًا من 48.8 نقطة في أكتوبر. ويشير بقاء المؤشر تحت مستوى 50 نقطة الفاصل إلى انكماش في النشاط الاقتصادي، مما يعكس حالة من الضعف المستمر التي تخيم على القطاع الصناعي الفرنسي.
تفاصيل التقرير ومؤشرات الضعف
وفقًا للبيان المشترك الصادر عن بنك هامبورغ التجاري و”ستاندرد آند بورز غلوبال”، فإن أوضاع قطاع التصنيع الفرنسي لا تزال ضعيفة. وأوضح التقرير أن ضعف دفاتر الطلبيات كان المحرك الرئيسي وراء هذا التراجع، حيث أدى إلى أكبر انخفاض في حجم الإنتاج الصناعي منذ فبراير الماضي. وعلى الرغم من وجود نقطة مضيئة تمثلت في عودة نمو الطلبات الجديدة للتصدير للمرة الأولى منذ ما يقرب من أربع سنوات، إلا أن هذا التحسن الطفيف لم يكن كافيًا لتعويض الضعف الشديد في الطلب المحلي، الذي ظل العامل الأكثر تأثيرًا على إجمالي حجم المبيعات.
وفي ظل هذا الطلب الضعيف، لجأت الشركات المصنعة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية لخفض التكاليف والتكيف مع الواقع الاقتصادي. وشملت هذه الإجراءات تكثيف عمليات خفض المخزونات، حيث سجل مخزون المنتجات النهائية أكبر انخفاض له منذ أبريل 2020، في ذروة الإغلاقات الاقتصادية المرتبطة بجائحة كورونا. كما امتدت الإجراءات لتشمل سوق العمل، حيث قامت الشركات بخفض أعداد العاملين للمرة الأولى منذ مايو الماضي، بالإضافة إلى تقليص حجم مشترياتها من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج.
السياق الاقتصادي العام والتحديات الأوروبية
لا يأتي هذا التراجع في قطاع التصنيع الفرنسي بمعزل عن السياق الاقتصادي الأوسع في أوروبا. فالاقتصاد الأوروبي ككل يواجه تحديات جمة، أبرزها استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وسياسات التشديد النقدي التي يتبعها البنك المركزي الأوروبي عبر رفع أسعار الفائدة لكبح جماح الأسعار. هذه السياسات، ورغم ضرورتها للسيطرة على التضخم، تؤدي إلى زيادة تكاليف الاقتراض على الشركات والأفراد، مما يثبط الاستثمار ويقلل من الإنفاق الاستهلاكي، وهو ما ينعكس سلبًا على الطلب المحلي.
إضافة إلى ذلك، لا تزال آثار أزمة الطاقة التي أعقبت الحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها على القطاع الصناعي، الذي يعتمد بشكل كبير على استقرار أسعار الطاقة. ورغم تراجع الأسعار عن ذروتها، إلا أنها لا تزال أعلى من مستوياتها التاريخية، مما يضغط على هوامش ربح المصنعين.
الأهمية والتأثيرات المتوقعة
إن ضعف قطاع التصنيع في فرنسا له تداعيات مهمة على المستويات المحلية والإقليمية. فعلى الصعيد المحلي، يهدد هذا الانكماش بزيادة معدلات البطالة ويضعف ثقة المستهلكين والشركات، مما قد يدفع الاقتصاد الفرنسي نحو ركود أوسع. أما على المستوى الإقليمي، فإن أداء فرنسا، باعتبارها محركًا رئيسيًا لاقتصاد منطقة اليورو إلى جانب ألمانيا، يعد مؤشرًا حيويًا على صحة الاقتصاد الأوروبي. ويعزز هذا التقرير المخاوف من تباطؤ اقتصادي واسع النطاق في المنطقة، وقد يزيد من الضغوط على البنك المركزي الأوروبي لإعادة تقييم مسار سياسته النقدية في المستقبل القريب.