شهد مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، واحدة من أبرز فعاليات دورته الحالية، حيث استضاف المخرج وكاتب السيناريو الأمريكي الشهير دارين أرنوفسكي في ندوة حوارية استثنائية (Masterclass). ورغم الأجواء الماطرة التي شهدتها مدينة جدة يوم الثلاثاء، إلا أن القاعة غصت بالحضور من عشاق السينما وصناع الأفلام، مما يعكس المكانة الكبيرة التي يحظى بها أرنوفسكي في الأوساط السينمائية العالمية والمحلية.
الذكاء الاصطناعي ومستقبل السينما
تجاوزت الندوة حدود السرد التقليدي للسيرة الذاتية لتخوض في قضايا معاصرة شائكة، حيث كان محور الذكاء الاصطناعي حاضراً بقوة في نقاشات أرنوفسكي. وتطرق المخرج المرشح للأوسكار إلى التحديات والفرص التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة على صناعة الأفلام، مشيراً إلى الجدل العالمي الدائر حول دور التقنية في العملية الإبداعية. تأتي هذه التصريحات في وقت يشهد فيه العالم، وهوليوود تحديداً، نقاشات محتدمة حول حدود استخدام الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الكتاب والممثلين، مما أضفى على حديثه بعداً راهناً وعميقاً.
مشروع إيلون ماسك وتفاعل الجمهور السعودي
وفي سياق مشاريعة المستقبلية، أثار أرنوفسكي حماس الجمهور بالحديث عن مشروعه المرتقب الذي يتناول سيرة الملياردير إيلون ماسك، وهو المشروع الذي تترقبه الأوساط السينمائية بفضول كبير نظراً لأسلوب أرنوفسكي الفريد في تحليل الشخصيات المعقدة. وقد شهدت الجلسة تفاعلاً لافتاً من قبل صناع الأفلام الشباب السعوديين، الذين طرحوا أسئلة دقيقة حول تقنيات الإخراج والكتابة. وفي لفتة ودية، داعب أرنوفسكي الحضور مستفسراً عن مواقع مميزة في جدة تصلح لتصوير مشاهد سينمائية، مبدياً إعجابه بطبيعة المدينة.
مسيرة حافلة بالجوائز والأسلوب السيريالي
يُعرف دارين أرنوفسكي، المولود في بروكلين عام 1969 وخريج جامعة هارفارد في تخصص الأنثروبولوجيا، بأسلوبه السينمائي المميز الذي يمزج بين السيريالية والواقعية النفسية القاسية. منذ انطلاقته بفيلم “Pi” عام 1998 الذي نال عنه جائزة أفضل مخرج في مهرجان صندانس، أسس أرنوفسكي مدرسة خاصة تعتمد على الغوص في الاضطرابات النفسية لشخصياته.
وتوالت نجاحاته عبر أفلام أيقونية مثل “Requiem for a Dream” الذي قدم معالجة بصرية مذهلة للإدمان، وفيلم “The Wrestler” الذي فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية وأعاد الممثل ميكي رورك للواجهة. كما حقق نجاحاً تجارياً ونقدياً ساحقاً بفيلم “Black Swan” (البجعة السوداء) عام 2010، الذي ترشح عنه للأوسكار ونالت بطلته ناتالي بورتمان جائزة أفضل ممثلة.
عودة قوية مع “The Whale”
لم تتوقف إبداعات أرنوفسكي عند الماضي، بل استمر في إثارة الجدل والإعجاب بأعمال مثل “Mother!” و”Noah”. ومؤخراً، عاد بقوة إلى الساحة عبر فيلم “The Whale” (الحوت)، الذي شكل عودة أسطورية للممثل بريندان فريزر، مؤكداً قدرة أرنوفسكي الاستثنائية على إدارة الممثلين واستخراج أفضل ما لديهم من طاقات شعورية. يُعد وجود قامة سينمائية بهذا الحجم في مهرجان البحر الأحمر تأكيداً على الدور المتنامي للمملكة العربية السعودية كمركز ثقافي وفني عالمي يجذب كبار المبدعين لتبادل الخبرات مع الجيل الجديد.


