شهدت أسواق المعادن العالمية تحولاً دراماتيكياً في تعاملات يوم الأربعاء، حيث قفزت أسعار النحاس إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، مدفوعة بموجة من القلق بشأن نقص الإمدادات العالمية وتسارع عمليات السحب من المستودعات الرئيسية. يأتي هذا الارتفاع الكبير في وقت تتزايد فيه المخاوف من تأثير السياسات التجارية والرسوم الجمركية المحتملة على حركة التجارة الدولية للمعادن الاستراتيجية.
أرقام قياسية في بورصة لندن
ووفقاً للبيانات التي أوردتها وكالة "بلومبرج" للأنباء، سجلت العقود الآجلة للنحاس ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 2.6% في تعاملات بورصة لندن للمعادن (LME)، ليتجاوز سعر الطن حاجز 11,400 دولار. هذا الرقم لم يكسر فقط الأرقام المسجلة سابقاً، بل تجاوز المستوى القياسي الذي تم تسجيله في الأسبوع الماضي، مما يعكس حالة من "الهلع الشرائي" في الأسواق بعد ظهور بيانات تؤكد ارتفاعاً حاداً في طلبات سحب المعدن من المستودعات، وتحديداً في القارة الآسيوية.
السياق الاقتصادي والأهمية الاستراتيجية للنحاس
لفهم أبعاد هذا الارتفاع، يجب النظر إلى النحاس بوصفه "مقياساً لصحة الاقتصاد العالمي" أو ما يعرف بلقب "دكتور نحاس". يعد هذا المعدن ركيزة أساسية في الصناعات الحديثة، بدءاً من البنية التحتية التقليدية وشبكات الكهرباء، وصولاً إلى تقنيات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية. وبالتالي، فإن أي نقص في المعروض لا يؤثر فقط على أسعار المعدن الخام، بل يلقي بظلاله على تكاليف الإنتاج في قطاعات حيوية متعددة، مما قد يغذي معدلات التضخم العالمية.
ويأتي هذا الصعود المتسارع، الذي دفع السعر الاسترشادي العالمي للارتفاع بأكثر من 30% منذ بداية العام الحالي، وسط تحولات هيكلية في سوق الطاقة العالمي، حيث يتزايد الطلب على النحاس لدعم مشاريع التحول الأخضر، في وقت تعاني فيه المناجم العالمية من تحديات في زيادة الإنتاج بنفس الوتيرة.
تأثير الرسوم الجمركية والمخاوف الجيوسياسية
من العوامل الحاسمة التي أججت هذا الارتفاع هو العامل الجيوسياسي المرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية. حيث تشير التقارير إلى أن التجار والموردين يقومون بشحن كميات هائلة من النحاس إلى الموانئ الأمريكية في سباق مع الزمن، تحسباً لفرض رسوم جمركية جديدة قد تعيق الاستيراد مستقبلاً. هذه الحركة الاستباقية أدت إلى استنزاف المخزونات في مناطق أخرى من العالم، مما خلق حالة من عدم التوازن في العرض والطلب.
إن انخفاض المخزونات العالمية إلى مستويات متدنية للغاية يضع الأسواق أمام سيناريو "أزمة إمدادات" حقيقية، حيث قد تواجه المصانع في آسيا وأوروبا صعوبات في تأمين احتياجاتها بأسعار معقولة، مما يجعل الفترة المقبلة حاسمة في تحديد مسار أسعار المعادن الصناعية عالمياً.
