في أمسية فنية فريدة، أسدل الستار على فعاليات “الغناء بالفصحى” التي احتضنها مسرح مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) بمدينة الظهران، وسط حضور جماهيري غفير تفاعل بشغف مع الأصوات العربية الأصيلة التي أحيت الليلة. وجمع الحدث ثلاثة من أبرز فناني الطرب العربي، هم الفنان التونسي القدير لطفي بوشناق، والفنانة اللبنانية المتألقة ولاء الجندي، والفنان السعودي الصاعد نواف الجبرتي، ليقدموا معًا تجربة فنية راقية تمزج بين عظمة القصيدة العربية الفصيحة وجماليات الموسيقى الشرقية.
إحياء لتراث فني عريق
يأتي الغناء باللغة العربية الفصحى كأحد أعرق الفنون الموسيقية في العالم العربي، حيث ارتبط تاريخيًا بديوان الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا. وقد حمل لواء هذا الفن عمالقة كبار مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفيروز، الذين صدحوا بقصائد لكبار الشعراء مثل أحمد شوقي ونزار قباني والأخطل الصغير، محولين الكلمات إلى ألحان خالدة في الذاكرة العربية. وتأتي هذه الأمسية لتؤكد على استمرارية هذا الإرث الثقافي وقدرته على التجدد وجذب الأجيال الجديدة، مقدمةً دليلاً على أن الفصحى ليست لغة للتراث فقط، بل هي لغة حية قادرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية بأسلوب فني معاصر.
شراكة لدعم الثقافة والموسيقى
نُظمت الأمسية بشراكة استراتيجية بين هيئة الموسيقى السعودية وشركة “بنش مارك”، في خطوة تعكس الجهود المتواصلة لدعم المشهد الثقافي والفني في المملكة، تماشيًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تولي اهتمامًا كبيرًا لإثراء المحتوى المحلي وتعزيز الهوية الثقافية. وتهدف هذه الشراكة إلى تسليط الضوء على قيمة الفصحى في الغناء العربي، وتشجيع التجارب الفنية التي تقدم نصوصًا شعرية رفيعة في قوالب موسيقية مبتكرة تجمع بين الأصالة والحداثة، مما يساهم في تنويع الخيارات الفنية المتاحة للجمهور.
أداء فني أبهر الحضور
وقد أبدع الفنانون الثلاثة في تقديم لوحة فنية متكاملة. حيث أطرب الفنان لطفي بوشناق، بصوته الأوبرالي القوي وأدائه المسرحي العميق، الحضور بباقة من أشهر أعماله التي تعكس فلسفته الفنية ورؤيته الإنسانية. ومن جانبها، لامست الفنانة ولاء الجندي، بإحساسها المرهف وصوتها العذب، قلوب الجمهور عبر تقديمها مختارات من روائع الطرب الشرقي التي تبرز جماليات النص الفصيح. بينما أضاف الفنان نواف الجبرتي لمسة سعودية معاصرة، مقدمًا أعمالًا تدمج بين الهوية المحلية والتوزيع الموسيقي الحديث، ليثبت أن المواهب الشابة قادرة على حمل راية هذا الفن الأصيل.
تأثير يتجاوز الحدود
لم تكن هذه الأمسية مجرد حفل غنائي، بل كانت رسالة ثقافية تؤكد على أن اللغة العربية الفصحى لا تزال قادرة على أن تكون جسرًا للتواصل الفني بين مختلف الدول العربية. إن جمع فنانين من تونس ولبنان والسعودية على مسرح واحد هو احتفاء بالهوية العربية المشتركة، وتأكيد على أن الفن الراقي يتجاوز الحدود الجغرافية ليخاطب الوجدان الإنساني. ويعزز نجاح هذه الفعالية مكانة المملكة كوجهة رائدة للثقافة والفنون في المنطقة، وقدرتها على استضافة فعاليات عالمية المستوى تليق بتاريخ الفن العربي العريق.