في خطوة جديدة تعكس تسارع وتيرة برنامجها الفضائي الطموح، أعلنت الصين نجاحها في إطلاق صاروخ حامل من طراز “لونغ مارش-8 إيه” (Long March-8A)، وذلك من موقع الإطلاق الفضائي في مقاطعة هاينان الجزرية بجنوب البلاد. وقد حمل الصاروخ على متنه المجموعة الرابعة عشرة من الأقمار الصناعية المخصصة لخدمات الإنترنت، ليتم وضعها بنجاح في المدار المحدد مسبقًا، مما يمثل إضافة نوعية للبنية التحتية الفضائية للصين.
مواصفات تقنية متطورة وقدرات حمل عالية
يتميز الصاروخ “لونغ مارش-8 إيه”، الذي أشرفت على تطويره الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا مركبات الإطلاق، بمواصفات هندسية متقدمة تهدف إلى تلبية الطلب المتزايد على عمليات الإطلاق التجارية. يبلغ طول الصاروخ 50.5 مترًا، مع وزن إقلاع يصل إلى 371 طنًا. وتبرز قدراته التشغيلية في إمكانية حمل حمولات تصل إلى 7 أطنان إلى مدار متزامن مع الشمس على ارتفاع 700 كيلومتر، مما يجعله خيارًا مثاليًا لنشر شبكات الأقمار الصناعية الكثيفة.
ابتكار في الوقود: التحول نحو الكيروسين المعتمد على الفحم
لعل أبرز ما يميز هذه المهمة، وفقًا لما ذكرته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، هو التحول الاستراتيجي في نوعية الوقود المستخدم. فقد سجلت هذه الرحلة السابقة الأولى من نوعها التي تعتمد فيها سلسلة صواريخ “لونغ مارش-8 إيه” على كيروسين صاروخي مشتق من الفحم كوقود دافع أساسي، بدلاً من الكيروسين التقليدي المعتمد على البترول. ويحمل هذا التحول دلالات اقتصادية واستراتيجية هامة للصين، حيث تسعى بكين لتعزيز أمن الطاقة الخاص ببرنامجها الفضائي من خلال استغلال موارد الفحم الوفيرة لديها، وتقليل الاعتماد على النفط المستورد في الصناعات الاستراتيجية.
سباق الإنترنت الفضائي والمدار المنخفض
يأتي هذا الإطلاق في سياق سباق عالمي محموم للسيطرة على المدار الأرضي المنخفض (LEO) ونشر كوكبات عملاقة من الأقمار الصناعية لتوفير خدمات الإنترنت فائق السرعة وتغطية المناطق النائية. وتعمل الصين بخطى حثيثة لبناء شبكتها الخاصة من أقمار الإنترنت (مثل مشروع “غواوانغ” أو غيره من المبادرات التجارية)، وذلك لمنافسة مشاريع غربية كبرى مثل “ستارلينك” التابعة لشركة سبيس إكس. وتعد هذه الأقمار الصناعية جزءًا حيويًا من خطط الصين للتحول الرقمي وتأمين اتصالات مستقلة وفعالة.
سجل حافل لسلسلة لونغ مارش
تُعد هذه المهمة الرحلة الخامسة للصاروخ المطور “لونغ مارش-8 إيه”، ورقم 612 في تاريخ سلسلة صواريخ “لونغ مارش” العريقة التي تشكل العمود الفقري لبرنامج الفضاء الصيني. وكان الصاروخ قد أكمل رحلته الأولى بنجاح في فبراير من العام الجاري، ليدخل بعدها مباشرة في مرحلة “الإطلاق عالي الكثافة”، مما يعكس جاهزية الصين لتنفيذ مهام فضائية متتابعة بفواصل زمنية قصيرة، وهو عامل حاسم في بناء شبكات الأقمار الصناعية الضخمة التي تتطلب مئات، بل آلاف الأقمار في المدار.