في خطوة قضائية مفصلية تهدف إلى توحيد المبادئ القانونية وإنهاء حالة التباين في الاجتهادات، حسمت الهيئة العامة للمحكمة الإدارية العليا في المملكة العربية السعودية الجدل القائم حول الجهة المختصة بنظر التظلمات والطعون المقدمة من الممارسين الصحيين. وقد أقرت الهيئة في اجتماعها الأخير برئاسة معالي الشيخ علي بن سليمان السعوي، المبدأ القضائي الذي ينص على انعقاد الولاية القضائية للمحاكم الإدارية بـ ديوان المظالم ابتداءً، للنظر في الطعون على القرارات الصادرة عن لجان النظر في مخالفات نظام مزاولة المهن الصحية.
تفاصيل القرار التاريخي
جاء هذا التوجيه بموجب القرار رقم (1) لعام 1447هـ، ليضع حداً فاصلاً لتعدد التفسيرات حول الاختصاص النوعي للمحاكم. وبموجب هذا القرار، أصبحت بوصلة القضايا الصحية تتجه مباشرة نحو القضاء الإداري كدرجة أولى للتقاضي. هذا التحول يضمن للمتظلمين من الكوادر الطبية والصحية مساراً قضائياً واضحاً ومستقراً منذ اللحظة الأولى لنشوء النزاع، مما يزيل الضبابية التي كانت تحيط بآليات التظلم سابقاً.
السياق العام وتطور المنظومة العدلية
يأتي هذا القرار في سياق حراك تطويري شامل تشهده المنظومة العدلية في المملكة العربية السعودية، متناغماً مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تركز على ترسيخ مبادئ العدالة والشفافية. تاريخياً، كانت القرارات الصادرة عن اللجان شبه القضائية في بعض القطاعات تتسم بصفتها النهائية أو تمر بمسارات تظلم معقدة، إلا أن التوجه الحديث للدولة يسعى لمد بسط رقابة القضاء الإداري (ديوان المظالم) على كافة القرارات الإدارية وشبه القضائية، لضمان خضوعها لمعايير المشروعية وسيادة القانون.
الأبعاد القانونية والحقوقية
يرسخ المبدأ الجديد حق التقاضي على درجتين للممارسين الصحيين، وهو ما يعد ضمانة أساسية من ضمانات العدالة. فبدلاً من الاكتفاء بقرارات اللجان، أصبح بإمكان المتضرر عرض قضيته أمام قضاة متخصصين في القضاء الإداري، مما يتيح فرصة أكبر لمراجعة الأحكام وتمحيص الأدلة بدقة متناهية. هذا الإجراء يعزز من جودة الأحكام القضائية ويقلل من احتمالية الخطأ، مما يوفر حماية أكبر لحقوق الأفراد والمؤسسات العاملة في القطاع الصحي.
التأثير المتوقع على القطاع الصحي
من المتوقع أن يكون لهذا القرار انعكاسات إيجابية واسعة النطاق على البيئة الاستثمارية والمهنية في القطاع الصحي:
- محلياً: سيعزز الثقة لدى الأطباء والممارسين الصحيين بأن هناك جهة قضائية مستقلة تحمي حقوقهم المهنية، مما يشجع على الاستقرار الوظيفي والإبداع دون خوف من قرارات تعسفية محتملة.
- إجرائياً: سيساهم في تقليص أمد التقاضي من خلال توحيد جهة الاختصاص، مما يمنع إهدار الوقت في الدفع بعدم الاختصاص والتنقل بين الجهات القضائية المختلفة.
ختاماً، يمثل هذا القرار انتصاراً لمبدأ المشروعية، ويؤكد الدور الأصيل للمحكمة الإدارية العليا في ضبط إيقاع العمل القضائي وتوحيد المبادئ لضمان استقرار المراكز القانونية للمواطنين والمقيمين على حد سواء.