تترقب الأوساط العلمية وعشاق الفلك حول العالم، اليوم الأحد، حدثًا فلكيًا بارزًا يتمثل في مرور الكويكب المكتشف حديثًا، والذي يحمل الاسم الرمزي “2025 WM4″، على مقربة من كوكب الأرض. ورغم أن عبوره سيكون ضمن مسافة قريبة جدًا بالمعايير الفلكية، إلا أن جميع الحسابات المدارية والبيانات الصادرة عن وكالات الفضاء العالمية، وعلى رأسها وكالة ناسا والجمعية الفلكية بجدة، تؤكد أن هذا المرور آمن تمامًا ولا يشكل أي تهديد لكوكبنا.
سيصل الكويكب إلى أقرب نقطة له من الأرض على مسافة تقدر بحوالي 271,548 كيلومترًا. ولتوضيح مدى هذا القرب، فإن هذه المسافة تقل بنسبة 30% عن متوسط المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر، مما يضعه ضمن فئة “الأجرام القريبة من الأرض” (NEOs)، وهي الأجرام التي تخضع لمراقبة مستمرة ودقيقة من قبل شبكة عالمية من المراصد والتلسكوبات.
السياق العلمي وأهمية مراقبة الأجرام القريبة من الأرض
تُعرّف الأجرام القريبة من الأرض بأنها كويكبات أو مذنبات تدفعها قوى الجاذبية الكوكبية إلى مدارات تجعلها تقترب من مدار الأرض. وتولي وكالات الفضاء أهمية قصوى لرصد هذه الأجرام وتتبعها عبر برامج متخصصة مثل “مكتب تنسيق الدفاع الكوكبي” التابع لناسا. الهدف من هذه المراقبة ليس فقط فهم بيئتنا الكونية، بل أيضًا تحديد أي أخطار تصادم محتملة في المستقبل، مهما كانت ضئيلة، وتطوير استراتيجيات للتخفيف من حدتها. وتذكرنا حوادث تاريخية مثل انفجار كويكب “تشيليابنسك” في سماء روسيا عام 2013، والذي بلغ قطره حوالي 20 مترًا، بأهمية اليقظة المستمرة، حيث أدى ذلك الحدث إلى إصابة المئات بسبب موجته الصدمية وتحطم الزجاج.
تفاصيل الكويكب “2025 WM4” وتطمينات الخبراء
أوضح المهندس ماجد أبو زاهرة، رئيس الجمعية الفلكية بجدة، أن الكويكب “2025 WM4” صغير الحجم نسبيًا، حيث يقدر قطره بحوالي 17 مترًا فقط. وأكد أن هذا الحجم الضئيل يعني أنه حتى في السيناريو الافتراضي والمستبعد تمامًا لدخوله الغلاف الجوي، فإنه سيتفتت ويحترق معظمه قبل الوصول إلى سطح الأرض، لينتج على الأرجح كرة نارية ساطعة (شهابًا) يمكن رؤيتها، دون أن يتسبب في أضرار جسيمة على الأرض. وأضاف أبو زاهرة أن هذا المرور الآمن يمثل فرصة علمية قيمة وليس مصدرًا للخوف، داعيًا الجمهور إلى الاعتماد على المصادر العلمية الموثوقة وتجنب الشائعات التي قد تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
أهمية الحدث للمجتمع العلمي الدولي
بعيدًا عن كونه مجرد حدث مثير للفضول، يعتبر مرور كويكب مثل “2025 WM4” فرصة ذهبية للعلماء. فهو يتيح لهم اختبار وتدقيق نماذجهم الحاسوبية الخاصة بمسارات الأجرام السماوية، مما يزيد من دقة التنبؤات المستقبلية. كما يسمح للمراصد الأرضية، باستخدام تقنيات الرادار والتصوير البصري، بجمع بيانات حيوية حول خصائص الكويكب الفيزيائية، مثل حجمه الدقيق وشكله وسرعة دورانه وتكوينه الصخري. هذه المعلومات لا تقدر بثمن لجهود الدفاع الكوكبي، حيث تساهم في بناء قاعدة بيانات شاملة تساعد في التخطيط لأي مهمة اعتراض مستقبلية إذا لزم الأمر، على غرار مهمة “DART” الناجحة التي أثبتت قدرة البشرية على تغيير مسار كويكب.
في الختام، يعكس مرور هذا الزائر الفضائي بسلام قدرة العلم الحديث على تحويل المجهول إلى معرفة، ويبرز أهمية التعاون الدولي في حماية كوكبنا، محولًا حدثًا كان ليثير القلق في الماضي إلى فرصة للتعلم والاكتشاف العلمي.
