لم تكن التوقعات الأولية تشير إلى أن بطولة كأس العرب ستخطف الأضواء بهذا الشكل اللافت، لا سيما مع قرار العديد من المنتخبات العربية الكبرى مثل تونس، المغرب، الجزائر، ومصر المشاركة بالصف الثاني، نظراً لقرب موعد انطلاق كأس الأمم الأفريقية في المغرب. ومع ذلك، أثبتت كرة القدم مجدداً أنها صانعة الإثارة الأولى، حيث تحولت ليالي الدوحة الشتوية إلى كرنفال رياضي ساخن، بدد برودة الطقس بحرارة المنافسة على الملاعب المونديالية التي استضافت الحدث.
لقد شكلت البنية التحتية الرياضية في قطر عاملاً حاسماً في نجاح البطولة، حيث أضفت ملاعب مثل "البيت" و"لوسيل" و"974" و"أحمد بن علي" طابعاً عالمياً على المنافسات العربية. ولم يقتصر النجاح على الجانب التنظيمي فحسب، بل امتد ليشمل الحضور الجماهيري القياسي الذي قارب نصف مليون متفرج قبل حتى انقضاء دور المجموعات، مما يعكس الشغف الكبير للجماهير العربية ورغبتها في رؤية منتخباتها تتنافس في أجواء أخوية وتنافسية عالية المستوى.
على الصعيد الفني، قدمت البطولة دروساً في الإصرار والروح القتالية. كانت مباراة تونس وفلسطين خير مثال على ذلك، حيث قدم "الفدائي" درساً في العودة (الريمونتادا) بعد تأخره بهدفين، ليخطف التعادل ويؤكد أن الروح والعزيمة يمكنهما تعويض الفوارق الفنية. وبالمثل، أظهر المنتخب السوري ندية كبيرة أمام قطر، بينما قدم المنتخب الأردني كرة قدم جميلة، ولحق بركب المتأهلين رفقة الأخضر السعودي والعراق إلى دور الثمانية. هذه النتائج، بما فيها تأهل فلسطين وسوريا، لم تكن وليدة الصدفة، بل نتاج عمل شاق تفوق على خبرة منتخبات عريقة.
وفي خضم هذه المنافسات، برز المنتخب السعودي كأحد أبرز المرشحين لللقب، خاصة بعد ضمانه التأهل لمونديال أمريكا 2026، وهو ما أزاح كاهل الضغوط عن اللاعبين وجعلهم يقدمون كرة قدم حقيقية تعبر عن شخصية البطل. وقد تجلى ذلك بوضوح في الأداء المميز أمام عمان وجزر القمر، بقيادة النجم العائد بقوة سالم الدوسري.
لقد استعاد "التورنيدو" سالم الدوسري بريقه المعهود كأفضل لاعب في آسيا، مقدماً مستويات أعادت للأذهان صولاته وجولاته الكبرى. عودة سالم لمستواه تحت قيادة المدرب هيرفي رينارد تعزز من حظوظ الأخضر في الظفر باللقب العربي، وهو إنجاز إن تحقق، سيشكل دفعة معنوية هائلة للجهاز الفني واللاعبين، وسيكون بمثابة هدية للجماهير السعودية وللاتحاد السعودي لكرة القدم بقيادة ياسر المسحل، الذي يعمل دؤوباً لتجهيز المنتخب للمحفل العالمي القادم.
مع اقتراب الجولة الأخيرة الحاسمة في مجموعات العراق والجزائر، ومجموعة مصر والإمارات، تتجه الأنظار نحو دور الثمانية الذي يعد بمواجهات من العيار الثقيل. إن النسخة الحالية من كأس العرب أثبتت أنها الأقوى والأكثر إثارة، ومع تألق النجوم وعودة الكبار، يبقى الأمل معقوداً على الأخضر السعودي لمواصلة المشوار نحو منصة التتويج.
بقلم: عبدالغني الشريف