انطلاق مهرجان الممالك القديمة 2025 في قلب التاريخ
انطلقت رسميًا فعاليات “مهرجان الممالك القديمة 2025” في محافظة العلا، وذلك بحفل افتتاح مهيب أُقيم في موقع الحِجر الأثري، الذي يُعد أول موقع سعودي يُدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. قدم الحفل للزوار تجربة غامرة، مزجت بين أصالة التاريخ وسحر التقنية الحديثة، لتعلن عن بدء موسم جديد من الاحتفاء بالإرث الحضاري العريق لشمال غرب شبه الجزيرة العربية.
العلا: ملتقى الحضارات على طريق البخور
لم تكن العلا يومًا مجرد واحة صحراوية، بل كانت قلبًا نابضًا بالحياة على مدى آلاف السنين. موقعها الاستراتيجي على طريق البخور القديم جعلها ملتقى للقوافل التجارية والثقافات المختلفة. تعاقبت على أرضها ممالك وحضارات عظيمة تركت بصماتها الخالدة، بدءًا من مملكتي دادان ولحيان، وصولًا إلى الأنباط الذين اتخذوا من الحِجر عاصمة جنوبية لمملكتهم وشيدوا فيها مقابرهم الضخمة المنحوتة في الصخور. هذا العمق التاريخي هو ما يستحضره المهرجان، مقدمًا للزوار فرصة فريدة للسير على خطى الأجداد واستكشاف قصصهم المحفورة على صفحات الزمن.
تجارب فريدة في حفل الافتتاح
استُقبل الحضور عند وصولهم من قبل “رواة العلا”، وهم سفراء محليون للتاريخ الشفوي، ينقلون معارف توارثوها عبر الأجيال ويمزجونها بالحقائق التي توصل إليها علماء الآثار. شارك هؤلاء الرواة قصصًا عن دور العلا المحوري كمركز تجاري وثقافي، مما أضفى على التجربة طابعًا من الأصالة والارتباط العميق بالمكان. وتلا ذلك تجربة رمزية تمثلت في إشعال البخور، في استحضار للعادات القديمة التي ازدهرت على هذا الطريق التجاري التاريخي، معلنةً انطلاق المهرجان. واختتمت الأمسية بعرض “قصص من السماء”، حيث أضاءت أسراب من طائرات الدرون سماء الحِجر، لتنسج لوحات ضوئية بديعة تروي تاريخ المنطقة وحضاراتها المتعاقبة.
أهمية المهرجان في إطار رؤية السعودية 2030
يأتي مهرجان الممالك القديمة كجزء لا يتجزأ من رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز قطاعات السياحة والثقافة. يمثل المهرجان رافدًا أساسيًا لتحويل العلا إلى وجهة عالمية رائدة للسياحة الثقافية والتراثية. على الصعيد المحلي، يُسهم الحدث في تمكين المجتمع المحلي من خلال خلق فرص عمل جديدة وتدريب المواهب الشابة ليصبحوا جزءًا من قصة نجاح العلا. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فيعمل المهرجان على تعزيز مكانة المملكة كمركز حضاري عالمي، وجذب الزوار والباحثين من جميع أنحاء العالم لاكتشاف كنوزها التاريخية المخبأة.
فعاليات وتجارب غامرة بانتظار الزوار
تحت شعار “رحلات عبر الزمن”، يستمر المهرجان حتى 6 ديسمبر 2025، مقدمًا باقة متنوعة من التجارب التي تغطي أكثر من 7,000 عام من التاريخ البشري. تشمل الفعاليات البارزة تجربة “طريق البخور” التفاعلية، وفعالية “أسرار النقوش القديمة” في جبل عِكمة الذي يُعرف بكونه أكبر مكتبة مفتوحة في العالم، بالإضافة إلى عودة تجربة “مساء الحِجر” الحائزة على جوائز عالمية. كما يوفر المهرجان جولات مخصصة للأطفال ومسارات للمشي بين التكوينات الجيولوجية الفريدة، وفعالية “بيت الهروب” المبتكرة في البلدة القديمة، لضمان تجربة متكاملة تناسب جميع أفراد العائلة.
وفي هذا السياق، أكد عبدالرحمن السحيماني، نائب الرئيس للثقافة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، أن “التراث بالنسبة للعلا ليس مجرد إرث يُحفظ، بل هو جوهر تُسهم الفعاليات في إحيائه واستعراضه أمام العالم”، مشيرًا إلى أن هذه الفعاليات تعزز من مشاركة المجتمع المحلي وتبرز الخبرات المحلية في صميم العمل.
