أكد الباحث العلمي والمهتم بعلوم الطيران، محمد عبدالله داوود، أن القرار العاجل الذي اتخذته شركة إيرباص باستدعاء أكثر من نصف الأسطول العالمي من طائرات A320 يمثل منعطفًا حرجًا في تاريخ صناعة الطيران الحديثة. وأوضح داوود في تصريح خاص لـ”اليوم” أن هذا الإجراء، الذي جاء بعد اكتشاف عطل برمجي قد يتأثر بالإشعاع الشمسي، يعد أكبر استدعاء في تاريخ الشركة الأوروبية، وستمتد تداعياته لأسابيع، مؤثرًا بشكل مباشر على حركة الطيران العالمية وعمليات شركات النقل الجوي، مع احتمال ملموس لارتفاع أسعار التذاكر.
خلفية الأزمة وأهمية طراز A320
تعتبر عائلة طائرات إيرباص A320 العمود الفقري لأساطيل العديد من شركات الطيران حول العالم، خاصة شركات الطيران منخفض التكلفة، بفضل كفاءتها التشغيلية وقدرتها على تلبية متطلبات الرحلات القصيرة والمتوسطة. منذ دخولها الخدمة في أواخر الثمانينيات، كانت هذه الطائرة رائدة في تطبيق نظام التحكم “الطيران بالسلك” (Fly-by-Wire)، الذي يعتمد على أنظمة إلكترونية ورقمية بدلًا من التحكم الميكانيكي التقليدي. هذا الاعتماد الكبير على البرمجيات يجعل أي خلل في أنظمتها الرقمية، مثل نظام التحكم ELAC المسؤول عن أسطح الطائرة الحيوية، أمرًا بالغ الخطورة. وأشار داوود إلى أن حادثة سابقة شهدت فقدان تحكم مؤقت في طائرة من نفس الطراز خلال رحلة داخلية بالولايات المتحدة كانت بمثابة إنذار مبكر دفع الشركة إلى إطلاق هذا التحذير العالمي.
التأثيرات العالمية والإقليمية
أوضح داوود أن تأثيرات هذا الاستدعاء لن تكون محصورة في مناطق جغرافية معينة، بل ستشكل اضطرابًا واسع النطاق في الشبكة الجوية العالمية. وقد اضطرت شركات طيران كبرى إلى إلغاء آلاف الرحلات، حيث أوقفت بعضها ما يصل إلى 70% من أسطولها العامل من هذا الطراز، فيما أعلنت شركات مثل Air France عن إلغاءات فورية لعشرات الرحلات. على الصعيد الإقليمي، ستواجه شركات الطيران في منطقة الشرق الأوسط، التي تعد مركزًا حيويًا لحركة النقل الجوي العالمي، تحديات تشغيلية كبيرة. هذا الاضطراب قد يؤثر على جداول رحلات الحج والعمرة، والسياحة، وحركة رجال الأعمال، مما يضع ضغوطًا إضافية على المطارات الرئيسية في المنطقة.
التداعيات الاقتصادية وارتفاع محتمل للأسعار
وحول الخسائر المتوقعة، أفاد داوود أنها ستكون متعددة الأوجه. فإلى جانب الخسائر التشغيلية المباشرة الناتجة عن إلغاء الرحلات، ستتحمل الشركات تكاليف باهظة لإعادة حجز الركاب وتقديم التعويضات وفقًا للتشريعات الدولية. كما سيؤدي الضغط الهائل على مراكز الصيانة المعتمدة حول العالم إلى ارتفاع تكاليف عمليات التحديث والصيانة. وأضاف: “التقديرات الأولية تشير إلى خسائر عالمية قد تتجاوز مليارات الدولارات”.
ونتيجة لهذا النقص المفاجئ في السعة المقعدية المتاحة، حذر داوود من أن المسافرين قد يواجهون ارتفاعًا في أسعار التذاكر على المدى القصير والمتوسط، خاصة في الأسواق التي تعتمد بشكل كبير على طائرات A320. الشركات التي تمتلك أساطيل متنوعة قد تكون في وضع أفضل للمنافسة، بينما ستكون شركات الطيران منخفضة التكلفة هي الأكثر تضررًا.
تحوط مستقبلي ودرس للصناعة
واختتم داوود تصريحه بالقول إن هذه الأزمة تمثل “جرس إنذار تقني” لصناعة الطيران العالمية. فالأمر لم يعد يقتصر على مواجهة التحديات التقليدية كالظروف الجوية، بل امتد ليشمل الظروف الفضائية والإشعاعية التي قد تؤثر على الأنظمة الرقمية للطائرات. ومن المتوقع أن تدفع هذه الأزمة الشركات المصنعة والجهات التنظيمية إلى:
- تسريع تحديثات الأنظمة الرقمية ورفع مستوى حمايتها.
- اعتماد خطط تشغيل مرنة وتعزيز تنويع الأساطيل لتقليل المخاطر.
- زيادة الرقابة التنظيمية على أنظمة الطيران الرقمية.
- تعزيز التواصل الشفاف مع الركاب للحفاظ على الثقة في سلامة الطيران المدني.
وأكد أن طريقة تعامل القطاع مع هذه الأزمة ستكون معيارًا مهمًا لقياس قدرته على التكيف مع التحديات التكنولوجية الجديدة وضمان سلامة وانسيابية حركة الطيران العالمية.