تركي الفيصل يفتتح أيام المروية العربية: الفن ذاكرة الهوية

افتتح الأمير تركي الفيصل النسخة الثالثة من أيام المروية العربية بمركز الملك فيصل، مسلطاً الضوء على جماليات الفن الإسلامي وتأثير القرآن في تشكيل الهوية.
ديسمبر 7, 2025
8 mins read
تركي الفيصل يفتتح أيام المروية العربية: الفن ذاكرة الهوية

في حدث ثقافي بارز يعكس عمق الحراك المعرفي في المملكة العربية السعودية، افتتح صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، فعاليات النسخة الثالثة من “أيام المروية العربية”. ويأتي هذا الحدث الذي ينظمه المركز بالتعاون مع جهات ثقافية إقليمية، ليؤكد على استمرار الرسالة التنويرية للمركز في إعادة قراءة التراث العربي والإسلامي وفق منهجيات نقدية حديثة.

فلسفة الجمال في الوعي العربي

وخلال كلمته الافتتاحية، غاص الأمير تركي الفيصل في أعماق التكوين الجمالي للشخصية العربية، مشيراً إلى أن “صمت الصحراء” لم يكن فراغاً، بل كان المهد الأول الذي شحذ الحواس وصقل الذائقة. وأكد سموه أن اللحظة الفاصلة في تاريخ الفنون العربية كانت نزول القرآن الكريم، حيث تحولت اللغة من وسيلة تواصل إلى وعاء مقدس للجمال والجلال، مما أدى إلى نهضة فنية غير مسبوقة تمثلت في تطور الخط العربي والزخرفة الإسلامية.

واستشهد سموه بالآية الكريمة {لقد خلقنا الإِنسان فِي أحسنِ تقوِيمٍ}، معتبراً إياها الميثاق الجمالي الذي حكم الفنون الإسلامية، حيث سعى الفنان المسلم دائماً للبحث عن التناسب والانسجام، محولاً الخطوط والأشكال الهندسية إلى لغة بصرية تسبح بحمد الخالق، وتجسد قيم التوحيد في أبهى صورها.

انفتاح حضاري وتأثير عالمي

وفي سياق التوسع التاريخي للفنون الإسلامية، تطرقت الفعاليات إلى قدرة الحضارة الإسلامية الفائقة على استيعاب الثقافات المجاورة. فقد انفتحت الفنون العربية على إرث الحضارات الفارسية والرومانية والبيزنطية، لكنها لم تذب فيها، بل أعادت صياغتها ضمن “البوتقة الإسلامية”. هذا التمازج أنتج طرازاً فنياً فريداً يجمع بين التنوع المحلي والوحدة الروحية، وهو ما يظهر جلياً في العمارة الإسلامية من الأندلس غرباً إلى حدود الصين شرقاً.

ويكتسب هذا الطرح أهمية بالغة في الوقت الراهن، حيث يسعى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الفن الإسلامي، وإبرازه كفن حي ومتجدد ساهم في تشكيل الذائقة العالمية، وليس مجرد قطع أثرية توضع في المتاحف.

شراكة استراتيجية لصون التراث

من جانبه، أشاد الدكتور محمد ولد أعمر، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، بالدور الريادي الذي يلعبه مركز الملك فيصل كمنارة بحثية عالمية. وأكد أن “أيام المروية العربية” ليست مجرد فعالية عابرة، بل هي مشروع استراتيجي يهدف لتوثيق السردية العربية وحمايتها من التشويه، وربط الأجيال الجديدة بجذورهم الحضارية عبر وسائط المعرفة والفن.

مسار متصل من المعرفة

تجدر الإشارة إلى أن هذه النسخة تأتي استكمالاً لجهود النسختين السابقتين؛ حيث ركزت الأولى في عام 2023 على حركة انتقال العلوم والمعارف، بينما استنطقت الثانية في عام 2024 ذاكرة الصحراء وثقافتها. وتأتي النسخة الثالثة لتكمل هذا البناء المعرفي عبر بوابة الفنون، مما يعزز من مكانة المملكة كحاضنة رئيسية للتراث العربي والإسلامي، ويدعم توجهاتها في إطار رؤية 2030 التي تولي عناية فائقة بالثقافة والفنون كعناصر للقوة الناعمة.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

ارتفاع ضحايا فيضانات إندونيسيا إلى 921 قتيلاً في سومطرة
Previous Story

ارتفاع ضحايا فيضانات إندونيسيا إلى 921 قتيلاً في سومطرة

هجوم يحرق 15 شاحنة وقود في مالي: تفاصيل الكمين المسلح
Next Story

هجوم يحرق 15 شاحنة وقود في مالي: تفاصيل الكمين المسلح

Latest from الثقافة

أذهب إلىالأعلى