في خطوة استراتيجية تعكس التزام المملكة العربية السعودية بحماية البيئة واستدامتها، أعلن البرنامج الوطني للتشجير اليوم عن إنجاز علمي وبيئي هام يتمثل في رصد وتصنيف 134 نوعاً من النباتات المحلية الملائمة تماماً للظروف المناخية والجغرافية لمنطقة مكة المكرمة. يأتي هذا الإعلان كجزء من الجهود الحثيثة لتعزيز الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، بما يصب مباشرة في تحقيق مستهدفات مبادرة «السعودية الخضراء» المنبثقة عن رؤية المملكة 2030.
تنوع بيولوجي يدعم الاستدامة البيئية
أوضح البرنامج في تقريره أن القائمة المعتمدة للنباتات تمتاز بتنوع بيولوجي فريد يضمن استدامة مشاريع التشجير وتقليل الهدر المائي. وتشمل القائمة طيفاً واسعاً من الغطاء النباتي، بدءاً من الأشجار المعمرة والكبيرة، مروراً بالشجيرات المتسلقة، وصولاً إلى الأعشاب الحولية والنجيلية. ومن أبرز الأنواع التي سيعتمد عليها في المشاريع المستقبلية:
- الأشجار الرئيسية: السدر، البان، السيال، والطلح.
- النباتات الساحلية: أشجار القرم (المانغروف) التي تلعب دوراً حيوياً في حماية الشواطئ.
- النباتات العطرية والطبية: مثل الضرم والسنا مكي.
- الأشجار البرية الأصيلة: العوسج، الأراك، والسمر.
سياق المبادرة وأهميتها الاستراتيجية
لا يعد هذا الإعلان مجرد حصر للنباتات، بل هو ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة البيئية. فمبادرة «السعودية الخضراء» التي تستهدف زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة، تتطلب دقة متناهية في اختيار الأنواع النباتية لضمان بقائها ونموها في ظل الظروف المناخية القاسية. ويأتي اختيار النباتات المحلية تحديداً لأنها الأكثر قدرة على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة وشح المياه، مما يجعلها خياراً اقتصادياً وبيئياً أمثل مقارنة بالأنواع المستوردة.
وتكتسب هذه الخطوة أهمية خاصة في منطقة مكة المكرمة، نظراً لمكانتها الدينية وتوافد ملايين الحجاج والمعتمرين إليها سنوياً. فزيادة الغطاء النباتي ستسهم بشكل مباشر في تلطيف الأجواء، خفض درجات الحرارة، وتحسين جودة الهواء، مما ينعكس إيجاباً على صحة وراحة سكان المنطقة وزوارها.
ثراء وراثي وتكيف جغرافي مذهل
كشف التقرير البيئي أن هذه النباتات تنحدر من فصائل نباتية عريقة تعكس الثراء الوراثي لأراضي المملكة، مثل الفصيلة البقولية، والبطمية، والأكانثية، والدفلية، والزيتونية. وتتميز هذه الأنواع بمرونة عالية تسمح لها بالازدهار في بيئات مكة المتناقضة؛ فهي تنمو في السهول الساحلية والسبخات الملحية، وتتسلق قمم الجبال والمنحدرات الصخرية، وتغطي بطون الأودية والروضات، بل وتستوطن الكثبان الرملية والصحاري القاحلة.
شراكات مجتمعية لمستقبل أخضر
يقود البرنامج الوطني للتشجير حراكاً واسعاً لدمج هذه الأنواع في المبادرات المجتمعية والحكومية، مستهدفاً تفعيل الشراكات مع القطاعين الخاص وغير الربحي. ويهدف هذا الحراك إلى رفع الوعي بأهمية استخدام النباتات المحلية، وتعزيز ثقافة التطوع البيئي، لضمان استعادة التوازن الطبيعي وحماية الأراضي من التدهور، مما يؤسس لبيئة صحية ومستدامة للأجيال القادمة.